وقد استدل بعض أهل العلم على الفرق بين الوصية والتدبير بالإجماع على أن المدبر لا يرجع فيه بالقول وأن الوصية يرجع فيها بالقول، وليس ذلك بصحيح، لأن أبا ثور يجيز الرجوع في التدبير بالقول على ما حكيناه.
فصل
ومما يدل على صحة ما ذهب إليه مالك من أن المدبر لا يجوز بيعه أن عقود العتق على ضربين: ضرب منها علق العتق فيه بصفة آتية لا محالة كمجيء الشهر وموت زيد وما أشبه ذلك، فهذا الضرب لا يجوز فيه بيع العبد. وضرب علق فيه بصفة يجوز أن يقع ويجوز أن لا يقع، كقدوم زيد وما أشبه ذلك. فهذا يجوز البيع فيه على الأشهر من الأقاويل ما لم يحصل الصفة والمدبر من الضرب الأول لأن العتق معلق فيه بصفة آتية لا محالة وهي موت السيد، فوجب ألا يجوز بيعه، وأشبه أم الولد أيضا التي لا يجوز بيعها لتعلق عتقها بموت سيدها. فإن قال قائل: إذا جاز بيع المدبر فكان بخلاف المعتق إلى أجل، لأن التدبير يعتق من الثلث والمعتق إلى أجل من رأس المال. ولما كان المدبر يعتق من الثلث وجب أن يجوز بيعه كالموصى بعتقه. قيل له: ليس هذا بصحيح لأن كون الموصى بعتقه من الثلث ليس هو العلة في جواز بيعه. والدليل على ذلك أن من أعتق عبده إلى أجل يعلم أنه لا يبلغه عمر السيد وقد يبلغه عمر العبد يعتق من الثلث ولا يجوز بيعه، ووجود العلة مع عدم الحكم مفسر لها لا محالة، وهذا بين.
فصل
وإنما كان المدبر من الثلث لأن السيد يتهم على أن يستخدم عبده طول حياته ثم يعتقه من رأس ماله بعد وفاته فيبطل الميراث الذي أوجبه الله للورثة. ومن أهل العلم من لا يراعي هذه التهمة فيراه من رأس المال وهو قول داود. ويرده ما روى أبو قلابة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «المدبر من الثلث». وقد احتج ابن القصار للزوم عقد