لم تكن له قدرة على التحرف والكسب وكان إنما يؤدي كتابته إن كوتب مما يتصدق به عليه فيكره لسيده أن يكاتبه إذا سأله ذلك. وهذا مذهب عبد الله بن عمر قال: يعطني أوساخ الناس.
والثالث: أنه يكون له مال، روي ذلك عن ابن عباس، وهذا أضعف الأقوال لأن الله عز وجل قال: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ولم يقل: إن علمتم لهم خيرا.
وكذلك قوله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] هو على الندب لا على الوجوب. ومعناه عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يضع عنه من أجر كتابته شيئا يتعجل به عتقه. والذي يدل عليه أنه غير واجب أن الله لم يحد فيه حدا في كتابه ولا على لسان نبيه- عَلَيْهِ السَّلَامُ - ولو كان فرضا لكان محدودا؛ لأن الفرض لا يكون غير محدود بكتاب أو سنة. فلما لم يوجد ذلك في الكتاب ولا ثبت فيه خبر مرفوع عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دل على أن الناس يؤمرون به ولا يجبرون عليه بالحكم، كالمتعة التي أمر الله بها فقال: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 241] وَقَالَ {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 236] وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] فاستدل بهذه الآيات على أنها غير واجبة لكونها مطلقة غير محدودة في الكتاب ولا في السنة.