على ذلك رده عز وجل أمر العبيد إلى السادة بقوله عز وجل: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]، فلم يجعل للحكام في ذلك مدخلا، وما ليس للحكام فيه مدخل فيما تنازع الناس فيه ليس بواجب، وإذا لم يجب ارتفع التنازع.
فإذا سقط الوجوب ثبت أنه على الندب لأنه يفضي إلى العتق، والعتق فيه أجر وثواب. ولم يصح أن يقال إنه على الإباحة لأن الإباحة إنما تكون فيما لا أجر فيه ولا ثواب. وإن كان مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قد احتج بقوله عز وجل: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 10] وإنما احتج بذلك لإسقاط الوجوب وهو الذي أراد، وبالله التوفيق.
فصل
وقد اختلف في الخير الذي عنى الله في هذه الآية ما هو؟ فقالت طائفة: المال، وقالت طائفة: القوة على الأداء، وقالت طائفة: الأمانة والدين، وقالت طائفة: الصدق والوفاء. وهذان القولان متقاربان في المعنى لأن الأمانة والصدق والوفاء من الدين. فيتحصل في الخير الذي عناه الله عز وجل بقوله: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الخير في الدين من الصلاح والعفاف وإن لم يكن له مال ولا قدرة على الاحتراف والكسب وكان إنما يؤدي كتابته مما يسأل ويتصدق به عليه، وهذا هو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب.
والثاني: أنه القوة على الأداء بالتحرف والكسب وإن لم يكن له مال. وأما إن