والثاني: أنها لا تدخل في ضمانه ويرتفع عن البائع حكم الجائحة إلا بعد تناهي طيبها، وإن لم يمض من المدة بعد تناهي ما لو شاء المبتاع أن يجدها فيه جدها.
والثالث: أنها لا تدخل في ضمانه ويرتفع عن البائع حكم الجائحة حتى يمضي من المدة بعد انتهاء طيبها ما جرى عليه العرف من التراخي في ذلك واشترى عليه المشتري ودخل عليه البائع، لأن العرف البين عندهم كالشرط، وهذه مسألة جيدة مستقصاة محصلة غاية التحصيل لم أرها مجموعة ولا محصلة ملخصة لمتقدم، ولا سمعتها من متأخر - والله الموفق للصواب الهادي بعزته.
وأما معرفة ما هو جائحة مما ليس بجائحة، فتحصيله أن الجوائح تنقسم على قسمين:
أحدهما: ما لم يكن أمرا غالبا وأمكن دفعه والاحتراس منه.
والثاني: ما كان أمرا غالبا ولم يمكن دفعه والاحتراس منه.
فأما ما لم يكن أمرا غالبا وأمكن الاحتراس منه وقدر على دفعه فليس بجائحة أصلا.
وأما ما كان أمرا غالبا ولم يمكن دفعه ولا قدر على الاحتراس منه، فإن ذلك ينقسم على قسمين:
أحدهما: أن يكون ذلك من فعل الله تعالى ولا اكتساب لمخلوق فيه.
والثاني: أن يكون من اكتساب المخلوقين المكلفين.
فأما ما كان من فعل الله تعالى ولا اكتساب لمخلوق مكلف فيه، فلا اختلاف أنه جائحة يجب القضاء بها، كالريح تسقط الثمرة أو تفسدها. قال الله عز وجل {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} [الذاريات: 41] {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: 42]