وقال تعالى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117]، أو المطر قال الله عز وجل: {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} [الكهف: 40]، أو البرد: قال الله عز وجل: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ} [النور: 43]، وكذلك ما أشبهه من الجراد والجليد والطير الغالب. وأما انقطاع الماء، فإنه جائحة في القليل والكثير بإجماع واتفاق، قال الله عز وجل: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف: 41].

فصل

وأما ما كان من اكتساب المخلوقين المكلفين ولا يمكن الاحتراس منه كالجيش والسارق، فاختلف فيه هل هو جائحة أم لا فذهب ابن القاسم إلى أن ذلك جائحة، لأنه عنده مما لا يمكن الاحتراس منه، ولا يقدر على دفعه، وذهب ابن الماجشون ومطرف إلى أن ذلك ليس بحائحه، لأن ذلك مما يمكن عنده دفعه؛ لأن السلطان يكف الجيش ويمنعه؛ وكذلك السارق يتحصن منه؛ وقال ابن نافع الجيش جائحة وليس السارق بجائحة، فكأنه رأى أن الجيش مما لا يمكن دفعه، وأن السارق يقدر على التحفظ منه والتحصن عنه. ومن أهل العلم من يرى أن الجائحة توضع في القليل والكثير - وهو قول أحمد بن حنبل وطائفة من أهل الحديث، وأحد قولي الشافعي؛ ففي المسألة ثلاثة أقوال القولان: طرفان في الإغراق، ومذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأصحابه عدل بينهما، وكذلك تجد مذهبه أبدا أعدل المذاهب وأوسطها، فإنه كان موقفا مؤيدا، فهذه جملة تبنى عليها مسائل الكتاب - إن شاء الله، وبه التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015