فأخبر عز وجل عنه في هذه الآية بامتثال ما أمره به في أول السورة من القيام، فقوله تعالى: {أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ} [المزمل: 20]، هو قوله في أول السورة {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4]، يريد على النصف وقوله ونصفه هو قوله في أول السورة: نصفه وقوله: وثلثه، هو قوله في أول السورة أو انقص منه قليلا - يريد من النصف فدل ذلك على أن الثلث من النصف قليل، وذلك على قراءة من قرأ ونصفه وثلثه بالفتح فيهما جميعا - وهي أبين في المعنى من قراءة من قرأهما بالخفض.
وعند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن كل ما يجب فيه اعتبار القليل من الكثير فإن الثلث عنده في حيز اليسير، إلا في ثلاثة مواضع، أحدها الجائحة، فإن الثلث فيها عنده في حيز الكثير يجب وضعه ومعاقلة المرأة الرجل، فإنها تعاقله فيما دون الثلث؛ فإذا بلغت الثلث، رجعت إلى عقل نفسها، وما تحمل العاقلة من الدية فإنها تحمل الثلث فما فوقه ولا تحمل ما دونه؛ وما عدا هذه المواضع الثلاثة؛ فإنه يحكم فيها للثلث بحكم اليسير؛ والفرق عنده بين هذه المواضع الثلاثة وغيرها: أن هذه الثلاثة المواضع ليس فيها موضع قصد يراعى وما عداها يراعى فيها القصد، فلا يظن بأحد أنه يدخل في المحظور الكثير من أجل القليل.
فصل
وأما المعنى، فلان المشتري دخل لا محالة على ذهاب اليسير من الثمرة، وأنها لا تسلم كلها، هذا معلوم بالعادة لا يكلم من يدفعه، لأن من يقول إن المشتري دخل على أن تسلم الثمرة من ذهاب رطبه وبسره ورطل أو رطلين، أو اجتياز المعتفين أو أكل الطير اليسير، فقد خرج عن العادة؛ وإذا ثبتت ذلك اقتضى أنه لا يرجع في اليسير، وأنه يرجع بالكثير؛ لأنه لم يدخل عليه، وإنما دخل على سلامة الجل، فبان بذلك مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -.