وضعها عن المبتاع من أجل ما بقي له على البائع من حق التوفية، إذ لم يقبضها بقبض الأصول قبضا تاما ناجزا لبقاء السقي على البائع فيما يحتاج منها إلى السقي، والإجماع على الرجوع عليه بما يكون من جائحة بسببه، ولافتقار الثمرة إلى بقائها في الأصول، تفصيل في بعض وجوهها اختلاف سيأتي بيانه في التكلم على المسألة الرابعة - إن شاء الله.
وأما معرفة قدر ما يوضع منها مما لا يوضع، فإنما يجب وضعها في مذهب مالك وأصحابه إذا بلغت الثلث فأكثر، ولا توضع فيما دون ذلك، والفرق بين الموضعين من وجهين:
أحدهما الظاهر.
والثاني المعنى.
فأما الظاهر، فهو ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بوضع الجوائح» والجائحة لا تنطلق إلا على ما أتلف جميع المال أو جله؛ وأما من ذهب اليسير من ماله فلا، ويبين ذلك أن من يملك ألف دينار إذا ذهب من ماله الدينار والعشرة والعشرون، لا يقال إن ماله اجتيح؛ وكذلك من سرق له من جملة متاعه الكثير - شيء يسير، لا يقال إن اللصوص اجتاحوا ماله؛ وإذا صح ذلك، ثبت الفرق في هذا بين القليل والكثير، وثبوت ذلك يقتضي فصلا بينهما ولا فصل إلا ما قلناه؛ لأن الثلث آخر من اليسير، وأول حد الكثير، يقوم ذلك بالاعتبار من نص التنزيل قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] {نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا} [المزمل: 3]- يريد من النصف {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 4]، يريد أيضا على النصف ثم قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [المزمل: 20]،