الجميلة، فإذا سخط حصلت سيئة، ثم تكون هذه السيئة قدر السيئة التي كفرتها المصيبة أو أقل أو أعظم بحسب كثرة السخط وقلته، وعظم المصيبة وصغرها، فإن المصيبة العظيمة تكفر من السيئات أكثر من المصيبة اليسيرة. فالتكفير واقع قطعاً سخط المصاب أو صبر، غير أنه إن صبر اجتمع التكفير، وإن سخط فقد يعود الذي كفر بالمصيبة كما جناه من السخط أو أقل منه أو أكثر، وعلى هذا يحمل ما في بعض الأحاديث من ترتيب المثوبات على المصائب؛ أي إذا صبر ليس إلا، فالمصيبة لا ثواب فيها قطعاً من جهة أنها مصيبة؛ لأنها غير مكتسبة، والتكفير يقع على المكتسب وغير المكتسب، ومنه قوله (صلى الله عليه وسلم) في صحيح مسلم وغيره: لا يموتن لأحدكم ثلاثة من الولد إلا كن له حجاباً من النار، قال قلت: يا رسول الله واثنان قال: واثنان. . الحديث. فالحجاب راجع إلى معنى التكفير؛ أي تكفير مصيبة فقد الولد ذنوباً، كان شأنها أن يدخل بها النار، فلما كفرت تلك الذنوب بطل دخول النار. والتكفير في موت الأولاد ونحوهم، إنما هو سبب الآلام الداخلة على القلب من فقد المحبوب، فإنّ كثر كثر التكفير، وإنّ قل قل التكفير، ولا جرم يكون التكفير على قدر نفاسة الولد في صفاته، (ونفاسته في بره وأحواله)، فإن كان الولد مكروهاً يسر فقده فلا كفارة بفقده (ألبتة) وإنما أطلق
صلى الله عليه وسلم التكفير بموت الأولاد بناءً على الغالب أنه يؤلم، فظهر لك الفرق بين المكفرات وأسباب المثوبات، فهذه مباحث، وعلى هذا لا يجوز أن يقال للمصاب بمرض، أو فقد محبوب، أو غير ذلك: جعل الله لك هذه المصيبة كفارة؛ لأنها كفارة قطعاً، والدعاء بتحصيل الحاصل لا يجوز؛ لأنه قلة أدب مع الله تعالى، وقد بسطت هذا في كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية، بل يقال: اللهم عظم له الكفارة، فإن تعظيمها لم يعلم بمثوبة بخلاف أصل التكفير، فإنه معلوم لنا بالنصوص الواردة في كتاب الله والسنة، فلا يجوز طلبه، فعلم ذلك ونظائره، قلت وفيه نظر من وجوه.
الأول ما ذكره أن المصائب لا تكون سبباً في حصول المثوبة، أخذه من شيخه عز الدين بن عبد السلام؛ فإنه قال: ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور، وهو خطأ صريح؛ فإنَّ الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصاب ليس منها بل الأجر على الصبر والرضى. وهذا منظور فيه؛ لأنَّ الثواب والعقاب الخاص بكسب العبد هو الذي يريد وجه الله مجازاته على عمله، وإلا يجوز أن ينيله بمحض الله تعالى المصائب سبباً لإنالته المثوبات لعبده بمحض فضله، لأنه من قبيل المجازاة على المصيبة؛ لأنها ليست من عملهم، والجزاء إنما يكون من العمل، وقد عدّ (صلى الله عليه وسلم) من الشهداء الغريق والميت هدماً ونحو ذلك، وليس المراد سوى إنالتهم الثواب عند المصيبة، وأما الصبر والرضى فأمر زائد كما قرره القرافي لا حاجة تدعو إلى صرف الأحاديث عن ظواهرها، لما تقدم من جواز ذلك [، نعم لا يسمى ذلك أجرًا بمعنى ما يقابل العمل. هكذا ظهر لي، ثمّ رأيت نحو ذلك] (*) في كلام الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر، فإنه ذكر حديث: ما من مصيبة تصيب المسلم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله تعالى بها عنه، ثم قال في رواية مسلم: ما من مصيبة يصاب بها المسلم، ولأحمد: ما من وجع أو مرض يصيب المؤمن. ولابن حبان ما من مسلم