حيث أنها معصية، وإنما يتحقق بالإقلاع، وإن لم يكن قد انتهت، وعزم ألا يعود إليها، وذلك تدارك ما
يمكنه تداركه حيث يوجد المكفر، وأما الاستدلال بحديث ما اجتنبت الكبائر فممنوع؛ لأنه ورد في فعل خاص فلا يتعداه؛ إذ الأصل بقاء ما عداه على عمومه، وهذا مما لا مجال للقياس فيه حتى يخص بالقياس على ذلك، بل ورد في بعض الأحاديث ما يدل على غفران الكبائر أيضاً، فلا يليق نسبة قائل ذلك إلى الجهل، نعم تكفير الكبائر إنما هو مظنون؛ لأنه أدلته ظنيّة، فيقوى بذلك الرجاء في كرم الله تعالى، وقد قال فيما حكاه عنه (صلى الله عليه وسلم) أنا عند ظنّ عبدي بي. . . الحديث.
وأعلم أنه قد ورد في بعض الخصال بسبب تكفير الذنوب وحصول الثواب، وبعضها سبب لحصول أحدهما فقط، ومن المهم تحقيق القول في ذلك، وقد ذكره القرافي في قواعده، فقال: وأعلم أن كثيراً من الناس يعتقد أنّ المصائب سبب في حصول المثوبات، وليس كذلك، وتحقيق الفرق بين المكفرات وأسباب المثوبات أن المثوبة لها شرطان: أحدهما: أن يكون من كسب العبد ومقدوره، فما لا كسب له فيه، ومالا هو في قدرته، أو هو من جنس مقدوره إلا أنه لم يقع مقدوره كجناية على عضو من أعضائه لا مثوبة له فيه، وأصل ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فحصر ما له فيما له من سعته وكسبه، وقوله عز وجل: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فحصر الجزاء فيما هو معمول لنا ومفعول. وثانيهما: أن يكون ذلك المكتسب مأموراً به، فما لا أمر فيه كالأفعال قبل البعثة، وكأفعال الحيوانات العجاوات، فإنها مكتسبة مرادة لها، واقعة باختيارها، ولا ثواب لها فيها لعدم الأمر به، وكذلك الموتى يسمعون في قبورهم المواعظ والقرآن والذكر والتسبيح والتهليل ولا ثواب لهم على الصحيح، لأنهم غير مأمورين بعد الموت ولا منهيين، هذا حديث أسباب المثوبات.
أما الكفارات فلا يشترط فيها شيء من ذلك، بل قد تكون كذلك مكتسبة مقدورة
من باب الحسنات، لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وقد لا تكون كذلك كما تكفر التوبة والعقوبات السيئات وتمحو آثارها، ومن ذلك المصائب المؤلمات لقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}، ولقوله (صلى الله عليه وسلم): لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من ذنوبه؛ فالمصيبة كفارة للذنوب جزماً سواء اقترن بها السخط أو السخط والرضى، فالسخط معصية أخرى، ونعني بالسخط عدم الرضا بالقضاء لا التألم بالمصائب المقضيات، والصبر فيه قربة من القرب