وتكفيرها عن المؤمنين مردود عند أهل السنة، فإن الصغائر عندهم حكمها في التفكير حكم الكبائر، يكون بأحد الأمرين: إما التوبة النصوح المقبولة، وإما بالمشيئة لا غير. وأما اجتناب الكبيرة عندهم فلا يوجب تكفير الصغيرة. ولعل مراده بنفي الوجوب عند أهل السنة: عدم جزم الإنسان بتكفيرها عنه بمجرد الاجتناب لعدم تحققه للاضطراب في بيان الكبيرة، وغير ذلك، أو بقي الوجوب على الله كما تطلقه المعتزلة، وأما نفي الوجوب بمعنى أن هذا الأمر محقق الوقوع إذا وجد شرطه بمقتضى إخبار الله تعالى فمردود لدلالة السمع عليه، ولما قدمناه من كلام الأئمة من أهل السنة وكلام أصحابنا في الشهادات صريح فيه، ولهذا قال الفاكهاني في شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني عقب إرادة كلام الانتصاف وهذا فيه نظر؛ لأن أهل السنة لا ينكرون تكفير الصغائر باجتناب الكبائر كما قال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}، الآية، ولا يخالف في ذلك المعتزلة، ولا نخالفهم، وإنما الخلاف بيننا وبينهم في هذه الآية هل التكفير قطعي أم ظني؟ وهم يقولون قطعي فلا ينبغي أن ينقل عن أهل السنة أنهم لا يعتقدون تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، قال ابن عطية عند قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}: اختلف العلماء في هذه

المسألة: فجماعة من الفقهاء وأهل الحديث يرون أن الرجل إذا اجتنب الكبائر وامتثل الفرائض كفرت صغائره قطعاً بظاهر الآية، وظاهر الحديث، وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة الثابتة، ودلّ ذلك على أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعاً، لكانت لهم في حكم المباح الذي يقطع بأن لا تبعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة، ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر، والآية التي قيدت الحكم ترد إليها هذه المطلقات كلها، وهي قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ. .}، ما ذكره الفاكهاني، وما ذكره من أن هذا حكم المظنون ينبغي أن يكون هو الراجح لما سيأتي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015