- ب -
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
وبعد: فإن اللَّه سبحانه، أنزل كتابه المبين، وجعله دستورَ أحكامه المتينَ، فأحكم نظامَه، وأتمَّ بيانه، وبلَّغه للرسول الأمين، وتعبَّد به المسلمين، وأمر الرسول ببيانه، فشرحه عليه السلام ووضَّحه وخصَّص عامَّه وقيَّد مطلقه، بالقول، والفعل، والتقرير، بما أفاضه عليه ربُّه من الوحي الباطن، {وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى} . وأمرنا سبحانه باتِّباع أمر الرسول ونهيه {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} . {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزِّل إليهم} ،
ولذا كانت السنة النبوية، في المرتبة الثانية من الكتاب في الحجية، وأصبحت العناية بها عناية به، وحِفْظَها حفظَ أحكامه، وأمر النبي عليه السلام بإبلاغها وسماعها وإسماعها، وتوعَّد من كذب عليه، فإن الكذب عليه، ليس كالكذب على غيره: "نضَّر اللَّه امرءاً سمع منا شيئاً فبلَّغه كما سمعه"، "ونضَّر اللَّه امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"
ولذا تنافس العلماء من الصحابة ومن بعدهم، في تحصيل السنة، وطلب الرواية، طاعةً للأمر، ورغبةً في تحصيل الأجر - وقد رحل أبو أيوب الأنصاري إلى مصر، ليروي حديثاً واحداً، عن عقبة بن عامر الجهني.
ورحل جابر بن عبد اللَّه إلى الشام، ليروي حديثاً عن عبد اللَّه بن أنيس
وكان أصحاب ابن مسعود يرحلون إلى المدينة من الكوفة، لسماع السنن
واهتم العلماء في سائر العصور،