- جـ -
بالرواية والإسناد، حتى وصلت إلينا الشريعة الإسلامية الغرَّاء، نقية خالصة، يرويها عن الرسول الأمين، الصحابيُّ الثقة، وعنه الثقة، إلى عصرنا هذا (?) .
وهذا النقل الصحيح المتصل بالثقات الأمناء، خصوصية لهذه الأمة المحمَّدية، لم يكن لسواها من الشرائع السماوية. فاليهود، والنصارى، ليس لهم من هذا النقل الصحيح المتصل، إلى نبيهم شيء - قال الحافظ محمد بن حاتم بن المظفَّر:
"إن اللَّه كرَّم هذه الأمة، وشرَّفها، وفضَّلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم قديمها وحديثها، إسناد موصول، إنما هو صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبَارهم، فليس عندهم تميزٌ بين ما نَزَل من التوراة والإنجيل، وبين ما ألحقوه بكتبهم، من الأخبار التي اتخذوها عن غير الثقات. وهذه الأمة الشريفة - زادها اللَّه شرفاً - بنبيّها، إنما تنُصُ الحديث عن الثقة المعروف في زمانه بالصدق والأمانة، عن مثله، حتى تتناهى أخبارهم، ثم يبحثون أشد البحث، حتى يعرفوا الأحفَظ، فالأحفظ، والأضبط، فالأضبط، والأطول مجالسة لمن فوقه، ممن كان أقصر، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر، حتى يهذبوه من الغلط والزلل، ويضبطوا حروفه، ويعدوّه عدَّاً. فهذا من فضل اللَّه على هذه الأمة.
فنستودع اللَّه شكر هذه النعمة وغيرِها من نعمه" انتهى
ولصيانة هذه الشريعة من الدسِّ والخطأ شرع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، أن نتكلم في حال الرجل، لمصلحة الرواية والخبر، فتكلم عليه السلام بما تتحقق به النصيحة (?) ، وتكلم الصحابة في بعض الرواة والنَّقلة، ونقدوا أخبارهم: فتكلم منهم ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، والسيدة عائشة، رضي اللَّه عنهم، وكان القول في الرجال قليل في عصرهم، لأن الصحابة جميعاً معدلون بتعديل اللَّه تعالى، ولا يجرح الواحد منهم إلا بالخطأ والنسيان، وذلك فيهم قليل، لشدة حرصهم وتحريهم.
وتكلم من كبار التابعين في الرجال جماعة أيضاً: كالشعبي، وابن المسيب، وابن سيرين، ولم يوجد في طبقتهم من كان يعتمد الكذب،