أيضاً في صفاته، ومذكور أيضاً عرض ما ينعت به، لأن العقل يعقل أي يمنع ويحبس، وهو أيضاً ينتج ويطلق ويسرح ويفرح، ولكن في حال دون حال، أمر دون أمر، ومكان دون مكان، وزمان دون زمان، بل العقل إذا دنوت إليه وهو في يفاع القدس ومعنى الآله ينعت إنه صورة أحدية أبدية سرمدية مشاكهة للمبدأ الأول مشاكهة يكاد بها كأنه هو، فكل من نال من هذه الصورة وهذا الجوهر وهذه العين نصيباً وحصة بمزاجه المعتدل والمنحرف، وطبيعة المواتية والأنية، وطينته الندية واليابسة، وقوته الفاعلة والمنفعلة، ونفسه السمحة والجامحة، وآدابه الحسنة والسيئة، وعاداته الكريمة واللئيمة، كان ذلك مطية سعادته وشقاوته، ومبلفاً إلى صحة بقائه وفنائه، وباباً إلى تمامه ونقصه، وطريقاً إلى استقلاله وشذوذه، وكلا ائتلف له بعض مضموم إلى بعض، ومجموعاً انتظم من مفرقه، وخصوصاً صفا له من عمومه أو مركباً عاد إلى بسيطه، وبدداً صار إلى نظامه، ومنقوصاً قدر على تمامه، وباغياً تخلص من نشدانه بوجدانه، ومهجراً وصل إلى حبيبه، ومقيداً أطلق من قيده، ومنفياً اعترف بنسبه، وذليلاً ألبس ثوب عزه، وضالاً هدى إلى روحه ونعيمه.
ثم قال: والكلام في العقل والعاقل والمعقول واسع، ولسنا نقدر على أكثر من هذا الإيضاح في هذا الوقت مع تقسم البال وانبتات الوقت.
قيل له فما: الروح؟ قال: قوة منبثة في الجسم بها قوامه في الحس والحركة والسكون والطمأنينة ومبدؤها من ائتلاف الاسقصات، ومادتها في جميع ما لاءمها ووافقها من ضروب الأغذية، النبات وغير النبات، وهي تابعة في الأصل خواص المركبات. وقد ظنت العامة وكثير من أشباه الخاصة أن النفس هي الروح، وأنه لا فرق بينهما إلا في اللفظ والتسمية، وهذا ظن مردود، لأن النفس جوهر قائم بنفسه لا حاجة بها إلى ما تقوم به، وما هكذا الروح، فإنها محتاجة