تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] ؛ فهذه الآية فيها وجوب محبته صلى الله عليه وسلم، وأن محبة الله ورسوله مقدمة على كل محبوب1.
ومحبته صلى الله عليه وسلم سبب لتكميل الإيمان الواجب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" 2. وسبب لوجود حلاوة الإيمان في القلب، كما في الحديث: "أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما"3.
3- وأما عامة المؤمنين، فليست موالاتهم بدرجة واحدة، بل هي على درجات.
فالمؤمنون الخلص من الأنبياء، والصديقين، والشهداء والصالحين، تجب محبتهم، وفي مقدمتهم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؛ فإنه تجب محبته محبة أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ثم زوجاته أمهات المؤمنين، وأهل بيته الطيبين، وصحابته الكرام، خصوصا الخلفاء الراشدين، وبقية العشرة، والمهاجرين، والأنصار، وأهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثم التابعون، والقرون المفضلة، وسلف هذه الأمة، وأئمتها؛ كالأئمة الأربعة"4.
أما المؤمنون الذين خلطوا عملا صالحا، وآخر سيئا، فهؤلاء يحبون من وجه، وييبغضون من وجه، فيجتمع فيهم المحبة والعداوة، وهم عصارة المؤمنين: يحبون لما فيهم من الإيمان، ويبغضون لما فيهم من المعصية التي هي دون الكفر والشرك. ومحبتهم تقتضي مناصحتهم والإنكار عليهم؛ فلا يجوز السكوت على معاصيهم، بل ينكر عليهم، ويؤمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات؛ حتى يكفوا عن معاصيهم، ويتوبوا من سيئاتهم؛ لكن لا يبغضون بغضا خالصا ويتبرأ منهم، كما تقوله الخوارج في مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك، ولا يبون ويوالون حبا وموالاة خالصين كما تقوله المرجئة، بل يعتدل في شأنهم على ما ذكرنا، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة5.