إفريقيا المرسلة بواسطتها، وهي بضاعة نافقة ذات أثمان عالية في الأسواق التجارية لذلك العهد، وتاجروا مع النبط بإرسال قوافلهم التي قطعت الفيافي مارة بمواضع الماء والآبار إلى "دومة الجندل" عز وجلumatha، ومنها إلى "بطرا" عاصمة النبط. والنبط هم مثل بقية العرب تجار ماهرون نشيطون. فإذا وصل تجار "جرها" إلى أرض النبط باعوا ما عندهم للنبط واشتروا منهم. ما يحتاجون إليه من حاصل بلاد الشأم والبحر المتوسط, أما التجار الذين يريدون أسواقًا أخرى، غير أسواق النبط، فكانوا يتجهون نحو الشمال، فيدخلون فلسطين قاصدين "غزة" أو يتجهون وجهة أخرى هي وجهة بصرى وبقية بلاد الشأم. وقد اكتسبت "جرها" شهرة بعيدة في عالم التجارة في ذلك الزمان، بسبب مركزها التجاري الممتاز، وذاع خبر ثراء أهلها وغناهم، حتى زعم أنهم كانوا يكنزون الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وأنهم اتخذوا من الذهب آنية وكئوسًا وأثاثًا، وجعلوا سقوف بيوتهم وأبواب غرفهم به وبالأحجار النفيسة الغالية، وغير ذلك مما يسيل له لعاب الجائعين إلى المال1. وهذا الصيد البعيد، هو الذي أثار الطمع في نفس الملك "انطيوخس الثالث"2 صلى الله عليه وسلمntiochus lll، فجلعه يقود أسطوله في عام "205 ق. م"، للاستيلاء على المدينة الغنية الكانزة للذهب والفضة واللؤلؤ وكل حجر كريم، وإذلال القبائل المجاورة لها، وإلحاقها بحكومته. فإما أن تذعن وتستسلم بغير قتال، وتقدم ما عندها هدية طيبة إليه، وإما القتل والنهب ودك المدينة دكًّا.

وتقول الرواية التي تتحدث عن طمع هذا الملك وجشعه للمال إن المدينة المسالمة التاجرة، أرسلت رسولًا إلى الملك يحمل رجاءها إليه ألا يحرمها نعمتين عظيمتين أنعمتهما الآلهة عليهم: نعمة السلام، ونعمة الحرية. وهما من أعظم نعم الآلهة على الإنسان، فرضي من حملته هذه بالرجوع بجزية كبيرة من فضة وأحجار كريمة، فأبحر إلى جزيرة "تيلوس" ومنها إلى "سلوقية" "205 - 204 ق. م"3.

وهكذا اشترت المدينة سلمها وحريتها من هذا الطامع بالمال، وصدق أهل المدينة إن كانت الرواية صادقة، فالسلم والحرية من أعظم نعم الله على الإنسان4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015