"الربيع بن زياد" العبسي ينادم النعمان ويتقدم على من سواه، وكان يدعى "الكامل"، وكان يعادي "بني جعفر"، فأوغر صدر "النعمان" عليهم، حتى صد عنهم ونزع القبة عن "أبي براء". فلما وقف "لبيد" على خبرهم، قال لهم: هل تقدرون أن تجمعوا بيني وبينه غدا حين يقعد الملك فأرجز به رجزا ممضا مؤلما، لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدا؟ قالوا وهل عندك ذلك؟ قال: نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة، فقال فيها قولا أعجبهم.
فلما أصبحوا قالوا: أنت والله صاحبه، فحلقوا له رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلة، وغدوا به معهم، فدخلوا على النعمان فوجدوه يتغدى ومعه "الربيع" ليس معه غيره، والدار والمجالس مملوءة بالوفد. فلما فرغ من الغداء أذن للجعفريِّين فدخلوا عليه، والربيع إلى جانبه، فذكروا للنعمان حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد: وقد دهن أحد شقي رأسه، وأرخى إزاره، وانتعل نعلا واحدة، على عادة الشعراء في الجاهلية إذا أرادت الهجاء، ثم قال رجزه حتى إذا بلغ قوله:
مهلا أبيت اللعن لا تأكل معه ... إن استه من برص مُلمعه
وإنه يدخل فيها إصبعه ... يدخلها حتى يواري أشجعه
كأنه يطلب شيئا ضيّعه
نفر "النعمان" من "الربيع" ورمقه شزرا، وكره مجالسته لتأثير هذه الأبيات فيه، وأعاد القبة على "أبي براء"1.
وقد أيد "ابن رشيق" رواية من ذكر أن "لبيدا" كان غلاما يوم قال قصيدته المذكورة بقوله: "والربيع بن زياد، كان من ندماء النعمان بن المنذر" وكان فحاشا عيابا بذيًّا سبابا لا يسلم منه أحد ممن يفد على النعمان، فرمي بلبيد وهو غلام مراهق فنافسه"2. فجعل "لبيد" غلاما مراهقا.
ويروي أهل الأخبار خبرا يؤيد الخبر المتقدم. يقول خبرهم: "نظر النابغة