وهو كلام يشعرك أنه نص لوصية الشاعر، ضبط ضبطًا، يشعرك أن ضابطه كان حاضرا إذ ذاك، وأنه سجله سجل المسجل للصوت، حتى وصل إلينا أصيلًا كاملًا لا تغيير فيه ولا تحوير، أما رأيي فيه، فهو أنه من هذه النصوص الكثيرة التي وضعها أهل الأخبار على ألسنة المتقدمين عليهم، والتي لا يمكن أن يركن إليها، ولا أن يؤخذ بها، ومن في استطاعته إثبات أنه نص أصيل، وليس لديه دليل قطعي يثبت تلك الإصالة.
ومن قدماء الشعراء: "أعصر بن سعد بن قيس عيلان"، وهو "منبه بن سعد" أبو باهلة وغني والطفاوة. وهو القائل:
قالت عميرة ما لرأسك بعدما ... نفد الزمان أتى بلون منكر
أعمير إن أباك شيَّب رأسه ... كره الغداة واختلاف الأعصر1
وذكر "ابن قتيبة" بعد "أعصر" اسم "الحارث بن كعب" وقال عنه: "وكان قديمًا"، وروى له هذه الأبيات:
أكلت شبابي فأفنيته ... وأفنيت بعد شهور شهورا
ثلاثة أهلين صاحبتُهم ... فبانوا وأصبحت شيخًا كبيرًا
قليل الطعام عسير القيا ... م قد ترك القيد خَطوي قصيرا
أبيت أراعي نجوم السماء ... أقلب أمري بطونا ظهورا2
والحارث بن كعب، هو "الحارث بن كعب بن عمرو بن وعلة بن خالد بن مالك بن أدد" المذحجي، وهو من المعمرين، وقد نسبوا له وصية زعموا أنه لما حضرته الوفاة، جمع ولده، فخطبهم يوصيهم، وكان مما جاء فيها أنه على دين "شعيب" النبي، "وما عليه أحد من العرب غيري"، وغير "أسد بن