ثم إن من غير المعقول إلا يقع اللحن من أهل اليمن ومن بقية عرب العربية الجنوبية، الذين كانوا يتكلمون بألسنة عربية جنوبية، رأينا أنها تختلف عن عربيتنا في مفردات الألفاظ وفي وقواعد النحو والصرف.
إن كل من صدر منهم اللحن، ممن أشرت إليهم وممن لم أشر، كانوا من العرب، منهم من كان من أهل الْمَدَر، ومنهم من كان من أهل الوَبَر، بهم بدأ اللحن، أما لحن العجم، فقد بدأ بعد اللحن الذي ظهر في أيام الرسول، وفي أيام "عمر" بدأ بالطبع بالفتوح، فلحن العرب إذن أقدم عهدًا من لحن العجم، يؤيد ذلك ما يرويه العلماء من وقوع الشعراء الجاهليين في أخطاء نحوية، هي لحن وخروج على القواعد في نظرهم. والشعراء الجاهليون عرب، ومن لسانهم استمد علماء النحو نحوهم وصرفهم. قد زعموا أن "النابغة" أخطأ في قوله: "في أنيابها السم ناقع"، ولحن لحنًا شنيعًا، وكان عليه أن يقول: "في أنيابها السم ناقعًا"1، أخطأ ولحن على زعمهم، مع أن كلامه حجة عندهم، واستشهدوا به في قواعد النحو والصرف.
وأخذ "حفص بن أبي بردة"، وهو من أهل الكوفة ومن أصحاب "حماد" الراوية على "المرقش" أنه كان يلحن، زعم أنه لحن في شعره، وقد أشير إلى زعمه هذا في شعر هجاء هجوه به، هو:
لقد كان في عينيك يا حفص شاغل ... وأنف كثيل العود عما تتبع
تتبعت لحنًا في كلام مرقش ... وخلقك مبني على اللحن أجمع
فعيناك إقواء وأنفك مكفأ ... ووجهك إبطاء فأنت المرقع2
وزعم علماء الشعر، أن "امرأ القيس" حامل لواء الشعر، ومن جاء بعده من الشعراء، مثل: "النابغة"، و"بشر بن أبي خازم"، و"الأعشى"، أقووا في شعرهم، والإقواء: هو اختلاف إعراب القوافي، وهو أن تختلف حركات الروي، فبعضه مرفوع وبعضه منصوب أو مجرور. ويكثر وروده في