وإذا قلت فاقتصد. ولا تستودعن أحدًا دينك وإن قربت قرابته، فإنك إذا فعلت ذلك لم تزل وجلًا، وكان المستودَع بالخيار في الوفاء والغدر، وكنت له عبدًا ما بقيت. وإن جنى عليك كنت أولى بذلك، وإن وفى كان الممدوح دونك"1.
وقد اشتهرت "إياد" بالفصاحة والبيان، وبقدرة في اللسان. وقد ظهر منهم جملة خطباء2. واشتهرت "بنو أسد" بالخطابة كذلك، قال "يونس بن حبيب": "ليس في بني أسد إلا خطيب، أو شاعر، أو قائف، أو زاجر، أو كاهن، أو فارس. قال: وليس في هذيل إلا شاعر أو رام، أو شديد العدو"3.
والآن، وبعد أن انتهينا من الكلام على النثر. نقول: هل كان للجاهليين أدب منثور؟ أي: مدونات من الأدب المنثور. لقد ذهب البعض إلى أنه لو كان للجاهليين أدب منثور مدون، لعدّ عجيبًا اختفاء آثاره هذا الاختفاء الكلي، حتى من أحاديث العرب المنقولة4. والواقع أن من غير الممكن في الوقت الحاضر البت علميًّا في هذا الموضوع، لأننا لا نملك أدلة علمية، لنستنبط منها أحكامًا تؤيد أو تنفي وجود التدوين في الجاهلية. أما مسألة عدم ورود نصوص أدبية منثورة إلينا، أو عدم ورود إشارات إلى وجودها في الجاهلية، فإنها أمور لا يمكن أن تكون حجة على إثبات عدم وجود التدوين عند الجاهليين، إذ لا يجوز أنها كانت، ولكنها تلفت، بسبب كونها كانت مكتوبة على مواد سريعة التلف، فهلكت، كما هلكت مدونات صدر الإسلام، حيث لم يصل من أصولها إلا النزر اليسير، وهو نزر يشك في أصالته وصحته.
وذهب بعض إلى وجود أدب منثور، إذ لا يعقل وجود أدب منظوم، ثم لا يكون للعرب أدب منثور. ويتجلى طراز هذا الأدب في الأمثلة والحكم المنسوبة