وأنا لا أستبعد ما نسب إلى "مسيلمة" من دعوى نزول الوحي عليه، وتسمية ذلك الوحي "قرآنًا" أو كتابًا أو سفرًا، أو شيئًا آخر، ولكني استبعد صحة هذه الآيات التي نسبتها الكتب إليه، وأرى أن أكثرها ورد بطريق آحاد، فلما نقلها الخلف عن السلف، وكثر ورودها في الكتب ظهرت وكأنها أخبار متواترة، وصارت في حكم ما أجمع عليه. وقد رويت بعض الآيات مثل: آية الضفدع، بصور متعددة مختلفة، مع أنها أشهر وأعرف آية أو آيات نسبت إليه، فما بالك بالآيات الأخرى، ثم إننا نجد الرواة يناقضون أنفسهم كثيرًا فيما نسبوه إليه، وبعضه مما لا يعقل صدوره من مسيلمة، مثل شعره الذي قاله لسجاح، حين أراد الدخول بها، وهل يعقل أن يقول إنسان يدعي النبوة مثل هذا الكلام الفاحش أمام الناس، ليدون ويسجل عليه!

وقد ذكر "ابن النديم" أن لابن الكلبي مؤلفًا خاصًّا ألفه في مسيلمة دعاه: "كتاب مسيلمة الكذاب"، لم يصل إلينا، وله كتاب آخر في بني حنيفة اسمه: "كتاب أيام بني حنيف"، وهم قوم مسيلمة، وكتاب دعاه: "كتاب أيام قيس بن ثعلبة"1.

وزعم أن من كلام "طليحة" الأسدي الذي قاله لأصحابه: "والحمام واليمام، والصرد والصَّوَّام، قد صمن قبلكم بأعوام، ليبلغن ملكنا العراق والشام"2.

وروى "الطبري" سجعا من سجع "سجاح"، وكانت نصرانية راسخة في النصرانية، قد علمت من علم تغلب، هو قولها لأتباعها: "عليكم باليمامة، ودفوا دفيف الحمامة، فإنها غزوة صرامة، لا يلحقكم بعدها ملامة"، فلما جاءت مع قومها اليمامة، قال لها مسيلمة: "لنا نصف الأرض، وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش، فحباك به، وكان لها لو قبلت. فقالت: لا يرد النصف إلا من حنف، فاحمل النصف إلى خيل تراها كالسهف. فقال مسيلمة: سمع الله لمن سمع، وأطمعه بالخير إذ طمع، ولا زال أمره في كل ما سرّ نفسه يجتمع. رآكم ربكم فحياكم، ومن وحشة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015