مثناة كمثناة أهل الكتاب!. ومثل ما نسب إلى "علي" من قوله: "اعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم"1، وأمثال ذلك مما نسب إلى الصحابة في النهي عن كتابة الحديث، وفي الحث على تحريق ما قد كان عندهم من صحف وكتب أو إمحائه، أنه قد كان عند الصحابة صحف فيها حديث رسول الله كتبت في أيام الرسول وبعده، كانوا يراجعونها ويستعزون بها، وكان في بعضها ما يشك في صحته وفي صدوره من الرسول، ولخوف الرسول وصحابته من أن يأتي يوم تكون فيه تلك الصحف مرجعًا للناس مثل رجوعهم للقرآن، يتخذونها سندًا لهم، اتخاذ اليهود للمثناة، أي: "المشنا"، أمروا بإتلافها وبالنهي عن التدوين.

والاكتفاء بالحديث مشافهة، وبنشره بالرواية. وهي طريقة غير مأمونة أيضًا، فالتدوين أضمن منها وأسلم، ولكنها طريقة كانت متبعة في ذلك الحين، لأسباب لا أستطيع أن أتحدث عنها في هذا المكان، لأن الحديث عن تدوين حديث رسول الله وعن ورود النهي عن تدوينه يخرجنا عن الحدود المرسومة لهذا الكتاب. "على كل" فإن أخذ المحدثين بمبدأ رواية حديث الرسول بالمعنى، كان هو السبب الذي حمل علماء النحو واللغة على عدم الاستشهاد به في شواهد القواعد واللغة، كما بينت ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب.

وفي رسائل الرسول وكتبه ووصاياه وخطه وأوامره، وفي خطب الوفود التي كانت تفد عليه، وفي خطب الصحابة، أمثلة على طبيعة وأسلوب الخطب عند الجاهليين، ولا سيما القديم من تلك الخطب الذي ألقاه الخطاء أمام الرسول قبل دخولهم في الإسلام، فهو في الواقع استمرار لأسلوب الخطب في الجاهلية، ألقي بالطريقة المألوفة عندهم التي تمثل التفكير الجاهلي، والعقلية الجاهلية أيام ظهور الإسلام. وإن كنت أشك في صحة كثير من الخطب والرسائل المنسوبة إلى الرسول ذلك لأننا إذا درسنا نصوص هذه الرسائل، نجد أصحاب السير والتواريخ يروونها بصور مختلفة، وفي اختلافهم هذا، دلالة على أن الرواة لم ينقلوها من أصل مكتوب، وإنما أخذوا النص بطريق المعنى والرواية، فوقع من ثَمّ هذا الاختلاف.

أضف إلى ذلك فعل التزوير، فقد نص المؤرخون وأرباب السير على أن بعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015