يثرب، ويهودها ويهود وادي القرى، ويعود سبب اشتهار مكة بالتجارة دون غيرها من قرى ومدن جزيرة العرب، إلى القرآن الكريم، فإليه وحده يعود فضل اشتهارها بالتجارة، لما جاء فيه من ذكر عن قساوة تجار قريش وغلظهم تجاه الفقراء، ومن أكلهم أموال اليتامى والأرامل والبنات، ومن تعاطيهم الربا، ومن اتجارهم برحلتي الشتاء والصيف إلى غير ذلك من أمور حملت علماء التفسير والأخبار على التنقير عن أخبار تجارة مكة وعلى جمع ما حصلوا عليه في كتبهم، ولو نزل في القرآن الكريم شيء عن تجارة وتجار مواضع أخرى مسماة باسمها لخصت تلك المواضع بعنايتهم من دون شك ولا ريبة، ثم إن مدينة الرسول، وقد اشتغل الرسول نفسه بالتجارة، وكان والده وبقية عشيرته تجارًا، وكانت زوجه خديجة تاجرة، فحمل كل هذا علماء السيرة على البحث عن تجار مكة وعن تجارتها قبل الإسلام، وعن المواضع التي تاجروا معها. فظهرت مكة من ثَمَّ وكأنها المدينة الوحيدة التاجرة في جزيرة العرب!

وأما ما يذكرونه عن النفوذ الديني الذي كان لقريش على العرب، فالذي أعرفه من أمر الدين عند أهل الجاهلية، أنهم كانوا بين مشرك، وهم الكثرة الكاثرة، وبين يهود، وهم قلة، وبين نصارى، وهم أكثر من اليهود عددًا، وبين جالية مجوسية، قلدها في دينها نفر من العرب لا يعبأ بعددهم. أما الشرك، فقد تتبعناه في الجزء السادس من هذا الكتاب، فوجدنا أن لكل قبيلة صنمًا، كانت تتقرب إليه وتنذر له وتستعين به في حربها وغزوها، ولم تكن العرب تحج إلى صنم واحد، هو صنم قريش، بل كانت تحج إلى أصنامها، ووجدنا أن "هبل" هو صنم أهل مكة وكفى. ثم رأينا أن لأهل نجران كعبة، ولأهل يثرب محجة، ولإياد كعبة، ولثقيف محجة، وللقبائل الأخرى محجات، وللنبط محجة، ولأهل العربية الجنوبية معابدهم، ولم نقرأ في أي نص من نصوص أهل الجاهلية أنهم حجوا إلى مكة، أو أن أحدًا منهم ذهب إليها لغرض من الأغراض الدينية أو أي غرض آخر، ولم يرد اسم مكة في أي نص من هذه النصوص. ولم نسمع في أخبار أهل الأخبار، أن قوافل من عرب العراق أو عرب بلاد الشأم أو نجد أو العروض، كانت ترحل في موسم الحج إلى مكة لفرض تأدية الحج، أو أداء العمرة في رجب، ولم أقف على اسم ملك من ملوك الحيرة قيل إنه حج إلى مكة، ولم أقف على اسم ملك من ملوك كندة أو بقية العرب ذكر أنه حج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015