القرآن الكريم، وبخط يختلف عن الخط الذي دوّن الوحي به! وليست هذه النصوص مغرقة في القدم، حتى يعترض معترض، فيقول: إننا نقول: إن لغة قريش، صارت لغة الشعر، ولغة الأدب، مع ظهور الشعر الجاهلي، أو قبله بزمن غير بعيد، لأن بين هذه النصوص، نصوص لا يرتقي عهدها عن الإسلام إلا بزمن يسير!
وأما ما يقصونه علينا من نفوذ السلطان الاقتصادي الذي كان لقريش وعن أثره في سيادة لهجة قريش على لهجات العرب، فأنا أقرأ أن مكة كانت مدينة تجار وتجارة، وبيع وشراء، واستيراد وتصدير، وليس من حق أحد أن ينكر ذلك، بعد أن نص القرآن على إتجارهم، وعلى وجود رحلتين لهم: رحلة الشتاء، ورحلة الصيف. وبعد أن زخرت كتب الأخبار والتأريخ بأخبار تجارة رجالها. ولكن هل كانت مكة، المدينة المتاجرة الوحيدة في جزيرة العرب؟ والجواب: كلا، فقد كانت لأهل اليمن تجارة مع مختلف أنحاء جزيرة العرب، وكان سادات اليمامة والبحرين من الأثرياء الثقال في بلادهم، وكانوا أصحاب تجارات، وكانت اليمامة خاصة، ريف مكة تمونها بالميرة والمنافع، وكان ساداتها إذا غضبوا عليها قطعوا الميرة عنها، فيصيبها من ذلك غم كبير، وتضطر عندئذ إلى مصالحتهم. فلما جاءهم ثمامة بن أثال الحنفي، سيد أهل اليمامة، وقالوا له: "يا ثمامة، صبوت وتركت دين آبائك، قال: لا أدري ما تقولون، إلا أني أقسمت بربّ هذه البنية لا يصل إليكم من اليمامة شيء ما تنتفعن به حتى تتبعوا محمدًا من آخركم. وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة، ثم خرج فحبس عنهم ما كان يأتيهم منها من ميرتهم ومنافعهم، فلما أضرَّ بهم، كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحض عليها، وأن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يخلي بيننا وبين ميرتنا فافعل، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن خل بين قومي وميرتهم" 1. وكان تجار البحرين يحملون تجارتهم من أقمشة ومن تجارة البحر إلى مكة، كما كان ملوك الحيرة يبعثون بلطمائهم إلى الأسواق ومنها سوق عكاظ، وكان الحضر وأهل القرار في كل جزيرة العرب تجارًا، ومنهم أهل