وفي ترويج سوقه وتنشيطه. وإعطائه قوة وصولة، قد يكون عن طبيعة فيهم وطبع، وقد يكون عن سياسة وغرض، لاتخاذ الشعراء محطات إذاعة أو صحف للترويج بسياسة ملك، وللحط من شأن خصمه ومنافسيه، وللرد على الشعراء المعارضين. على كل فقد كانوا يستذوقون الشعر ويميزون الجيد منه من الفاسد، ويظهرون عيوبه أمام الشعراء. ويحسنون إلى الشعراء من أجاد منهم، ومن لم يجد، فكان هذا التشجيع في جملة العوامل المشجعة على نظم الشعر. وإذا كان لبني أمية فضل على الشعر الجاهلي بالاستماع إليه من أفواه الرواة، وبالحث على حفظه وتدوينه. وإذا كان لبني العباس فضل على الشعر والعربية والعلوم بتشجيعهم العلماء واستدعائهم إلى مجالسهم للاستماع إليهم، فصاروا بذلك جميعًا حماة العربية، فإن ملوك الحيرة وملوك عرب الشام، كانوا قد مهدوا الجادة قبلهم لمن ذكرت، ورفعوا بعملهم المذكور من مستوى العربية، وعملوا عملهم في صقلها وفي توحيدها، وفي تقريب الألسنة بعضها من بعض والناس على دين ملوكهم، وأكثر شعراء الجاهلية كانوا على اتصال إما بهؤلاء الملوك، وإما بأولئك.

وإذا أضفنا إلى هذا التشجيع، والسيادة السياسية التي كانت لملوك الحيرة على نجد والبحرين، عامل التقدم الثقافي الذي كان لعرب الحيرة والأنبار والقرى العربية في العراق وفي بلاد الشأم على أهل البوادي، بل وعلى أهل مكة كذلك، الذين تعلموا خطهم من أهل الحيرة، لزم علينا القول أن العربية المبينة التي درّست في مدارس عرب العراق، كانت قد تقدمت في العراق أكثر من أي مكان آخر في جزيرة العرب بالنسبة لأيام الجاهلية، ولعل هذا التقدم هو الذي أكسب العراق شرف وضع علوم العربية، وتفرده من بين سائر الأقطار الإسلامية، يجمع الشعر الجاهلي وقواعد العربية وعلوم الشعر واللغة، وإلا فلا يعقل ظهور هذه العلوم في هذه الأرضين من غير ماض ولا علم سابق، ولا أسس بنى عليها المسلمون بناءهم الجديد.

وأما أن تلك السيادة السياسية، كانت في حدود ضيقة، في حدود القبائل القريبة من قريش، والمواضع التي كانت لها مصالح بها، فذلك موضوع آخر، له ما يبرره، فقد كان لسادات مكة مصالح اقتصادية في الطائف، وكان لهم أملاك وبساتين، ولهم بيوت يقضون بها صيفهم، كما كانت لهم مصالح مشابهة مع المواضع الأخرى ومع القبائل، لا مجال لنكرانها أبدًا. ولكن ما صلة هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015