بالقرشية، أو بعربية قريش أو بعربية قومك، وأمثال ذلك من عبارات يقتضيها الموقف للتقرب من القائد المنتصر، ولإثبات أنهم مثله، وهو قرشي يتكلمون بعربيته القرشية المبينة! فهل يعتزون بتكلمهم بلسان قريش، أفصح ألسنة العرب ويتباهون به! ولو كان ذلك اللسان لسان الأدب الرفيع عندهم لما سكتوا من تسميته بلسان قريش أبدًا!

ثم خذ ما ذكره أهل الأخبار عن فتح "الأنبار" تراهم يقولون: "ولما اطمأن خالد بالأنبار والمسلمون، وأمن أهل الأنبار وظهروا، رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسألهم: ما أنتم؟ فقالوا: قوم من العرب، نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا، فكانت أوائلهم نزلوها أيام بختنصر حين أباح العرب، ثم لم تزل عنها، فقال: ممن تعلمتم الكتاب؟ فقالوا: تعلمنا الخط من إياد، وأنشدوه قول الشاعر:

قومي إياد لو أنهم أمم ... أو لو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم باحة العراق إذا ... ساروا جميعًا والخط والقلم1

ولو كان أهل الأنبار يكتبون بلغة قريش، لما قال أهل الأخبار أن "خالد" وجدهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، ولقالوا حتمًا أنهم كانوا يكتبون بلسان قريش.

ثم إن نصهم دومًا على أن لسانهم كان عربيًّا، وديوان أهل الحيرة أنما كان بالعربية، وأن كتابتهم إنما كانت بالعربية، دليل في حد ذاته على أن المراد بالعربية، العربية المطلقة، لا المقيدة، أعني عربية قريش.

الحق أقول: أنني إذا فكرت تفكير علماء العربية المحدثين، الذين نسبوا تفوق اللغات على اللهجات إلى السيادة السياسية والسيادة الاقتصادية وأمثال ذلك من سيادات، فإني لن أفكر في موطن أينعت فيه العربية في تلك الأيام سوى بلاد الشأم والعراق، فقد أمدتنا بلاد الشأم بنصوص وإن كانت -كما سبق أن قلت- قد دونت بلهجة نبطية، ولكنها لم تتمكن مع ذلك من التستر على لهجة أصحابها الأصلية ففي نص "النمارة" مثلًا الذي يعود تأريخه إلى سنة "328م"، عبارات مثل: "ملك العرب كله"، و"ملك الأسدين ونزرا وملوكهم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015