وتمرن هناك، وطب بأرض فارس، وعالج وحصل له بذلك مال، وعرف الداء والدواء. وكان صاحب حسّ مرهف، وموسيقيًّا يضرب بالعود. تعلم ذلك بفارس واليمن.

قيل: إن سعد بن أبي وقاص مرض بمكة، فعاده رسول الله، فقال له: "ادع الحارث، فإنه يتطبب". فعاده الحارث وداواه فشفاه. ونسبوا له كلامًا مع كسرى أنوشروان. وقيل: إنه هو القائل: "الطب: الأزم، والبطنة بيت الدواء، والحِميَةُ رأس الدواء، وعودوا كل بدن ما اعتاد"، وأشياء أخرى تنسب إلى فلاسفة متقدمين، ولحكماء من العرب غير الحارث1.

وقيل: إن من حكمه: "خير الدواء الأزم، وشرّ الدواء إدخال الطعام على الطعام". وقيل: إنه وصى ولده بقوله: "يا بني عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال. إن الله جعلك إنسانًا فلا تجعل نفسك بهيمة، واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة، فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت بطينًا فعد نفسك مع الزمنى"2. ومن حكمه قوله: "لا تنكحوا من النساء إلا الشابة، ولا تأكلوا من الحيوان إلا الفتى، ولا من الفاكهة إلا النضيج"3.

وقد نسبوا إلى الحارث كتابًا، هو كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنوشروان4، ولم يشيروا إلى مضمونه ومحتوياته وحجمه. والظاهر أنه هذه المحاورة التي دبجوها في ترجمته، ونسبوها إليه، وزعموا أن كسرى أمر بتدوين ما نطق به5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015