شرف، وحازي قومه، والحُزاة الكهان"1. فهو قد جمع خلالًا كثيرة وفي جملتها الطب والكهانة. وقد كان الكهان يداوون المرضى، فكان كهنة مصر يعالجون المرضى ويطببونهم، لاعتقادهم أن الأمراض هي من الآلهة، تصيب الإنسان فلا تشفيه منها إلا التوسلات إليها بإشفائه، وحيث أن المقربين إليها هم الكهنة، لذلك لجأ المرضى إليهم لإشفائهم. ونجد في النصوص العربية الجنوبية توسلات كثيرة وتضرعات إلى الآلهة، لأن تمنّ على المتوسلين إليها بالصحة والعافية، وبالشفاء من الأمراض التي نزلت بهم، وأن تحميهم من الأوبئة التي تفشت بين الناس، فأخذت تميتهم.
ولا بد وأن يكون السحرة والحزاة والكهنة في الجاهلية، هم الذين مارسوا الطب، وعالجوا المرضى، بالسحر وبالأدعية، أو بالأدوية التي أخذوها عمن سبقهم ومن تجاربهم الخاصة. ونحن نأسف لأن نقول إن النصوص الجاهلية لم تعطنا حتى الآن نصوصًا طبية، أو نصوصًا فيها وصفات أدوية الشفاء من الأمراض.
والطب، هو من فروع العلم المحظوظة بالنسبة إلى فروع العلم الأخرى عند الجاهليين. فقد أشير إليه، وأشير إلى اسم نفر من الأطباء، هم: الحارث بن كلدة الثقفي، والنضر بن الحارث، و"ابن أبي رمثة التميمي" و"ضماد" وكلهم ممن عاصر الرسول وأدرك زمانه، وبفضل هذه المعاصرة، ذكرت أسماؤهم في كتب الحديث والسير والأخبار، ولولاها لكان شأنهم شأن غيرهم ممن لم يصل اسمهم إلى أحد، فصاروا نسيًا منسيًّا.
وذكر أن رجلًا جاء إلى النبي، فرأى بين كتفيه خاتم النبوة. فقال: إن أذنت لي عالجتها فإني طبيب. فقال له النبي، طبيبها الذي خلقها، معناه العالم بها خالقها الذي خلقها لا أنت2.
أما الحارث بن كلدة الثقفي، فإنه من ثقيف ومن أهل الطائف. ذكر أنه سافر إلى البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس على رجل من أهل جُنْدَيْسابور، وغيرها.