وهو باب يقدم على سماعه الشبان، طلاب هذا الفن في هذا الدور من أدوار الحياة، أما الشبيبة ومن تقدمت بهم السن، فإن الجنس، يكون قد ابتعد عنهم وتركهم في الغالب، وما تمسكهم به وهم في أرذل العمر، إلا من باب التذكر بأيام الزمان، وذكريات الشباب، لتطرية العمر، والترويح عن كربة التقدم في السن.
والقاص من الشخصيات المحببة إلى نفوس الجاهليين، يقص على أبناء حيه القصص المسلية، مستمدًا مادته من الأساطير والخرافات السائرة المتنقلة بين الأمم، ومن الأخبار والحاديث الخرافية والتاريخية المأثورة عن العرب، أو عمن جاورهم.
ومن ذلك قصص الأقوام القديمة التي بقيت ذكرياتها في أذهان الجاهليين، وقصص الملوك مثل الزباء، التي كيفت قصتها، وابتعدت عن التاريخ وقصص جذيمة الأبرش، وقصير، وعمرو بن عدي، والتبابعة وغير ذلك من قصص، له أصل تاريخي، لكنه تغير وتبدل حتى صار من الأساطير. وهو يصلح أن يكون اليوم موضع دراسة خاصة للوقوف على مقدار عناصر الابتكار والخيال فيه، ومقدار التحوير الذي ألمَّ به، وسببه ومن أدخله عليه من جاهليين أو مسلمين.
وقصص النوادر والنكات من القصص المعروف عند أهل الجاهلية. وقد اتخذ الملوك والأشراف لهم ندماء عرفوا بإغراقهم في قول الملح والنوادر والأمور الغريبة المضحكة، حتى اشتهر أمرهم بين الناس، وحتى بالغ الناس في نسبة النوادر إليهم، وحولوا بعضهم إلى شخصايت أسطورية، من كثرة ما تقولوا عليهم وما نسبوه إليهم. ومنهم من سجلت كتب أهل الأخبار والأدب أسماءهم، لما حصلوا عليه من شهرة بين الناس في أيامهم. منهم "سعد" المعروف بـ"سعد القرقرة" هازل "النعمان بن المنذر" ملك الحيرة، كان يضحك منه1. ذكر أنه كان من أهل "هجر"، فدعا النعمان بفرسه اليحموم، وقال له: اركبه واطلب الوحش، فقال سعد: إذن والله أصرع. فأبى النعمان إلا أن يركبه.
فلما ركبه سعد نظر إلى بعض ولده قال: وا بأبى وجوه اليتامى، ثم قال:
نحن بغرس الودي أعلمنا ... منا بركض الجياد في السدف2