"من الكتب الماضية وأمور الله السالفة في الأمم". وورد أنهم قالوا له: "يا رسول الله، حدثنا فوق الحديث ودون القرآن، يعنون القصص" فأنزل الله الآية المذكورة1. وفي هذا الإلحاح على الرسول بأن يقص عليهم، دلالة على مدى حب الجاهليين وإعجابهم بالقصص.
وللجاهليين غايات من الاستماع إلى القصص، منها: العبرة والاتعاظ. وإلى ذلك أشير في القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 2.
وقد كان في مكة وفي غيرها قوم يقصون على الناس ويعظونهم، ولما جاء الإسلام كانوا على عادتهم يقصون لإثارة العقول إلى أنباء الماضين وأخبار السالفين، ولإثارة تفكيرهم في الكون وفي الخلق وفي شئون الحياة، كالذي يظهر من القرآن الكريم: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 3 و {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} 4 و {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} 5. ويدخل في هذا النوع القصص الذي يدخلونه في باب "الحكمة"، ومعناه القصص التعليمي، الذي يتعظ به، ويستفاد منه، إذ يعد دروسًا تعلم الإنسان في حياته وترشده إلى النجاح، ويشمل قصص الماضين، ما قاموا به من خير، وما عملوا في أيامهم من شر، فأصابهم من أجله الهلاك وسوء المصير، وقصص الأشخاص، أما القصص المروي على ألسنة الحيوانات على نمط قصص "كليلة ودمنة"؛ فإننا لا نجد منه مادة غزيرة في القصص المروي عن الجاهليين، وهو قليل المادة أيضًا في الأدب الإسلامي ولا سيما في القصص الطويل. وقد نجد بقايا قصص على ألسنة الحيوانات مرويًّا في كتب الأدب، لكنه من النوع القصير الذي لا يمثل نفسًا طويلًا في القصّ.
وأغلب الظن أنه منتزع من قصص قديم، فقد طوله، بسبب قدمه، فبقيت منه هذه البقايا.
ومن أبواب القصص، المقال على ألسنة الحيوانات، كالقصص المقال على لسان "النعامة"، من أنها ذهبت تطلب قرنين فرجعت بلا أذنين. والقصص