...
الفصل الثامن والعشرون بعد المائة: القصص
والقصص، مظهر من مظاهر الفكر الجاهلي، أشير إليه في القرآن الكريم، وكان شائعًا عند الجاهليين. ودراسته تمكن الدارس من تحليل عقلية صاحب القصص، وفهم عقلية الزمن الذي شاع فيه. وقد ورد في المؤلفات الإسلامية شيء منه، وفي بعضه ملامح يمكن إرجاعها إلى عناصر أعجمية: دينية، وغير دينية، تسرب إلى الجاهليين من اتصالهم بالأعاجم، واتصال الأعاجم بهم.
والقصص البيان، والقاص من يأتي بالقصة على وجهها، كأنه يتتبع معانيها وألفاظها. وقيل: القاص يقص القصص لأتباعه، خبرًا بعد خبر وسوقه الكلام سوقًا. وقد كان القص شائعًا متفشيًا بين الجاهليين والإسلاميين، وكانوا يقبلون عليه إقبالًا شديدًا، ومن هنا ورد في الحديث "إن بني إسرائيل لما قصوا هلكوا. وفي رواية لما هلكوا قصوا، أي: اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص"1. ولما نزل القرآن: "قالوا: يا رسول الله، لو قصصت علينا، قال: فنزلت: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} 2. وذكر أن أصحاب رسول الله سألوه أن يقص عليهم؛ فنزل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ،