الغراب الأعصم"، و"أنصف القارة من راماها". والمثل: "أرسل حكيمًا ولا توصه"، هو في الواقع مَثَل قديم، لا بد وأن يكون قد وضع في العربية، قبل أيام "الزبير"، إذ ينسب إلى الحكيم "أحيقار"، وربما نقل من السريان إلى العرب.
وقد ضرب المثل بشخصيات جاهلية، تركت أثرًا في أيامها، فضرب بها المثل. مثل: "أبلغ من قس"، ويراد به قس بن ساعدة الخطيب الشهير، وأعيا من باقل. وهو رجل من إياد، وقيل: من ربيعة. اشترى ظبيًا بأحد عشر درهمًا، فمرّ بقوم فقالوا له: بكم اشتريت الظبي؟ فمدّ يديه وأخرج لسانه يريد أحد عشر، فشرد الظبي حين مد يديه، وكان تحت إبطيه1. وضرب المثل ببخل مادر، فقيل: أبخل من مادر، وبفصاحة سحبان، فقيل: أخطب من سحبان، وهو القائل:
لقد علم الحي اليمانون أنني ... إذا قلت أمّا بعد أني خطيبها2
وضرب الجاهليون الأمثال بكل ما وجدوه حولهم من حيوان ومن نبات وصخور. ولذا نجد على أمثالهم طابع محيطهم، فالحيوان الذي ضربوا به المثل، هو من حيوان جزيرة العرب، ومن النوع المألوف عندهم، مثل الضب والحية والعنز والإبل وما إلى ذلك. ومن هنا اختلفت أمثلة الأعراب أهل البادية عن أمثلة الحضر، أهل المدر، لاختلاف طبيعة البادية عن طبيعة الريف، ولوجود أشياء في أحدهما يندر وجودهما في المحيط الآخر.
وفي شعر "عدي بن زيد" العبادي أمثلة كثيرة، تميز شعره عن شعر بقية الشعراء الجاهليين. ولو درسنا شعره، نجد أن فيه ما يشير إلى مواعظ ترد في النصرانية كما ترد على خاطر كل إنسان يصاب بنكبة, فتهز مشاعره فتجعله ينظر إلى الدنيا نظرة زاهد فيها، ولا أستبعد احتمال تأثره بالكتب التي كان قد وقف عليها، فقد كان نصرانيًّا "وقد قرأ كتب العرب والفرس"3. ولم يذكر أهل