لتكوين أعمدة منها أو جدر معبد أو حيطان سدود أو قصور بحيث يوضع حجر فوق حجر، فيجلس فوقه بصورة يصعب على الإنسان أن يتبين منها مواضع اتصال الحجر بعضه ببعض. ولولا وجود الحجر الجيد لديه لما تمكن من القيام بإنشاء الأبنية الضخمة المؤلفة من جملة طوابق والتي قاومت الدهر، ولكان بناؤه من الطابوق، أي: من اللبن الذي حُجّر بالنار، والطابوق لا يمكن أن يقوم مقام الحجر في البناء، ولا أن يقاوم الطبيعة وأن يعمر طويلًا. ونظرًا لصغر حجمه بالنسبة إلى الحجر، ولضرورة ربطه بعضه ببعض بمادة ماسكة مثل الجبس فإن البناء به لا يمكن أن يكون متينًا، ولا يمكن أن يقاوم الرطوبة والعوامل الجوية الأخرى، فيتآكل ويتداعى، ولا سيما في المواضع السهلة ذات الرطوبة، أو التي تتساقط عليها الأمطار بكثرة، فتكون سيولًا عارمة تكتسح ما تجده أمامها من أبنية مبناة بمادة غير متينة متانة الحجر.

وتفيدنا دراسة المباني اليمانية في الزمن الحاضر فائدة كبيرة في تكوين فكرة عن البناء عن أهل اليمن قبل الإسلام. ففي هذا البناء الذي نراه عناصر عديدة لا تزال حيّة باقية، هي من بقايا البناء اليماني الجاهلي. وما قاله "الهمداني" في صفة بعض المباني والقصور الجاهلية التي كانت قائمة في أيامه ثم زالت، ينطبق على أوصاف القصور والمباني القائمة الآن، كما أن في دراسة أسماء أجزاء البناء وما يستعمل فيه فائدة كبيرة في حلِّ كثير من المعضلات الفنية المتعلقة بفن العمارة عند الجاهليين.

وقد زال أكثر المباني الجاهلية، ويا للأسف، بسبب اعتداء الإنسان بجهله عليها. فقد حمله كسله وجهله على تدمير تلك الأبنية، لاستعمال حجارتها في بناء بيوت جديدة ولأغراض أخرى. ونجد في الأبنية الحديثة، وأكثرها أبنية رديئة قبيحة بالقياس إلى القصور القديمة، حجارة ضخمة، بعضها مكتوب عليها كتابة كاملة انتزعت من الأبنية الجاهلية، وبعضها ناقص الكتابة لتلف الكتابة المكملة أو لنقلها إلى موضع آخر. ونجد حجارة مكتوبة وقد طليت بالجبس، لإعطاء الجدار الذي دخلت فيه وجهًا أملس. ونجد في الكتب القديمة مثل كتب الهمداني إشارات إلى مثل هذه الأعمال، التي ما تزال جارية مستمرة بالرغم من قرار الحكومات المعنية بمنع هذه الأعمال. وقد حطمت تماثيل جميلة عثر عليها بين الرمال ولا تزال تحطم؛ لأنها في نظر العاثرين عليها أصنام لقوم كفرة، وتماثيل قوم ممسوخين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015