غضب الله عليهم، فلا يجوز الاحتفاظ بها، فهشمت وعبث بها، وبذلك خسر العرب كنوزًا فنية وذخائر لا تقدر بثمن، كان في وسعنا الاستفادة منهما في تدوين تأريخ الجاهليين.
وقد حطمت ودمرت قصور عظيمة في اليمن، بقيت بعضها قائمة إلى الإسلام، مثل قصر "غمدان" بصنعاء. الذي يبالغ أهل الأخبار في وصف ارتفاعه وضخامته، وقد كان مؤلفًا من طبقات بعضها فوق بعض، ثم هدم وقلّ في الإسلام، أمر الخليفة "عثمان" بهدمه، فزالت معالمه، ولو بقي إلى اليوم لكان من المفاخر1، ومثل المعابد الضخمة، وقصور الأسر الحاكمة، مثل قصر "شمر" بذي ريدان، وأبنية أخرى قوضت لأسباب عديدة، فضاع بذلك علينا تراث مهم. وفعل مثل ذلك في الأبنية الأخرى. ففي العراق مثلًا، هدمت قصور الحيرة وبيوتها، لاتخاذ حجارتها مادة لبناء الكوفة، و"وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة التي كانت لآل المنذر، أن المسجد الجامع بالكوفة بني ببعض نقض تلك القصور، وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم"2. وقد أضاعت علينا هذه الأعمال معالم قيّمة من تراث الجاهليين.
وقد هدم قصر "يهر" "ذي يهر" ببيت حنبص، وهو أثر جاهلي مهم، بقي قائمًا إلى حوالي سنة "295" للهجرة، فأمر بإحراقه "ابن أبي الملاحف" القرمطي، فأحرق، وظلت أخشابه تحترق أربعة أشهر على ما يزعمه الرواة، مبالغة منهم بالطبع3.
ولأهل اليمن عادات جميلة أفادتنا فائدة طيبة، وذلك بوضعهم على الجدر حجارة مكتوبة تحمل اسم الدار أحيانًا واسم صاحبها واسم الإله الذي تبرك صاحب المبنى بتقديمه إليه تيمنًا به، حتى الترميمات والإصلاحات التي يقوم بها أصحاب البناء تدون على هذه الحجارة، ولا سيما الترميمات والإصلاحات التي تدخل على المعابد والمباني العامة، تعين عليها بدقة تامة، فيذكر الموضع الذي ابتدأ به والموضع الذي انتهى منه، ويذكر مقدار ما صرف عليه في بعض الأحيان.