أصنام وتماثيل أو ما شاكل ذلك. وأرض سهلة لا حجر طبيعي فيها لا يمكن أن يظهر فيها بناء أو فن إلا إذا كانت قريبة من مواطن الحجر أو من مواطن الحضارة حيث تستوردها عندئذ من تلك الأماكن. لذا نجد الفن الجاهلي قد تركز وانحصر وبرز في العربية الغربية وفي العربية الجنوبية وفي المواضع القريبة من مواضع الحجر ومن أهل المدر في الغالب.
وفي اليمن أنواع من الأحجار الصالحة للبناء وللنحت، كما توفرت فيها، المواد المساعدة الأخرى التي تدخل في إنشاء العمارات مثل الجبس. ولهذا قامت فيها بيوت مرتفعة ذات طوابق متعددة، ولا يزال أهل اليمن وبعض أهل المواضع الأخرى من العربية الجنوبية يبنون البيوت والقصور المرتفعة السامقة، وما كان بوسعهم ذلك لولا وجود المواد الصالحة للبناء، التي تستطيع البقاء ومقاومة الطبيعة أمدًا1. وبفضل المواد المذكورة بقيت أبنية من أبنية الجاهليين اليمانيين إلى الإسلام, بقيت محافظة على نفسها وعلى شكلها العام، ولولا يد الإنسان التي لعبت بها وخربت أكثرها لبقيت أزمنة طويلة أخرى ولا شك. ولو كانت تلك الأبنية قد بنيت بالطابوق أو باللبن وبالمواد المستعملة في البناء في وسط وجنوب العراق، لما تمكنت من البقاء طويلًا؛ لأنها مواد لا تتحمل معاركة الطبيعة زمانًا طويلًا، لذلك تنهار بسرعة إذا لم ترعاها يد الإنسان دومًا بالإصلاح والتعمير2.
وقد ساعدت وفرة الرخام والحجارة الصلدة في اليمن في التعويض عن استعمال الخشب القوي الصلد في البناء فاستعمل المعماريون الأعمدة العالية الجميلة ذوات التيجان في رفع السقوف وفي إقامة الردهات الكبيرة وفي "الطارمات" أمام الأبنية، وفي واجهات المعابد بصورة خاصة، استعملوها بدلًا من الخشب الذي لا يتحمل الثقل كما يتحمله الحجر، والذي لا يعمر طويلًا كما يعمر الحجر. وبفضل هذه الحجارة استطاع المعماريون أن يستفيدوا من الماء بإقامة السدود القوية التي تتحمل ضغط السيول العالي عليها، وهذه ميزة لا نجدها بالطبع في العراق.
وقد ساعدت طبيعة اليمن عامل البناء في نحت الحجر وقطعه وصقله وتكييفه بالشكل الذي يريده. وتمكن بذلك من وضع أحجار مصقولة بعضها فوق بعض