وصارت المسافات فيما بينها غير بعيدة، وإذا كان الماء بعيدًا، صارت المنازل متباعدة، وقد لا يهم الماء القوافل إذا كانت مزودة به. وكل ما تلاحظه في سفرها هو تعب الإنسان ومقدار تحمل دابته مشقة السفر والبعد؛ ولهذا كانوا يقطعون طرقهم بمراحل، و"المرحلة": المنزل بين المنزلين، يقال: بيني وبين كذا مرحلة أو مرحلتان1, فهم يقطعون طرقهم على قدر طاقتهم ومقدار تحمل إبلهم على السير. وقد علمتهم تجاربهم مقدار ما يقطعون، فإذا شعروا بالتعب وبتعب دوابهم، نزلوا منزلًا قد يكون مأهولًا به ماء، وقد يكون خاليًا في عراء؛ للاستراحة به، فإذا ارتاحوا استمروا في سيرهم نحو جهتهم المقصودة.

و"الفرسخ" في تفسير علماء العربية: الراحة، و"فرسخ" الطريق هو ثلاثة أميال هاشمية، أو ستة، أو اثنا عشر ألف ذراع، أو عشرة آلاف ذراع. سمي بذلك؛ لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك, كأنه سكن, واللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية. وقيل: الفرسخ: الساعة من النهار2.

و"الميل": مقياس تقاس به الأبعاد، يقال: قطع كذا ميلًا. وهو منار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض، ومنه الأميال التي في طريق مكة، وهي الأعلام المبنية لهداية المسافرين3.

ونظرًا إلى وجود إمارات وعشائر وقبائل عديدة تمر بأرضها القوافل، فقد كان على أصحاب القوافل وأرباب المال إرضاء هؤلاء المتنفذين, بإعطاء إتاوات مرور لهم، وهدايا لحمايتهم وللسماح لهم بالمرور، على نحو ما تفعله حكومات هذا اليوم من استيفاء حق المرور "ترانزيت" "ترانست" عن التجارة والسيارات. فإذا تحرش بهم متحرش، وحاول قطاع الطرق الاعتداء عليهم، كان من واجب سيد القبيلة والرئيس المتنفذ في تلك الأرض تعقب المعتدين وتأديبهم وإعادة ما استولوا عليه إلى أصحابه. وبهذه الطريقة أمنت القوافل على أموالها، وأخذت تقطع البوادي والطرق البعيدة الطويلة، وهي في حمى هؤلاء المتنفذين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015