بالماء وبالزاد إن احتاجت إليه. ونظرًا إلى بطء الحيوان في سيره وعدم تمكنه من السير مسافات طويلة دون توقف وراحة، كانت "منازل" ذلك الوقت غير متباعدة. ويقال للمكان الذي تنزل به القوافل: "المنزل", والمنزل: المنهل والدار1، وهو في معنى "الخان"، و"الخان" لفظة معربة معناها: المنزل والحانوت2. وقد اشتهرت اللفظة في الإسلام، وأطلقت على منازل المسافرين في الطرق وفي القرى والمدن, وتعني المنزل المخصص لنزول المسافر. وهو منزل يكون كبيرًا في الغالب، يستريح فيه المسافر، تاجرًا كان أو غير تاجر، ويضع فيه مطاياه.
وأما "الفندق"، فبمعنى المنزل الذي ينزل به التجار والمسافرون، وهي من الألفاظ المعربة عن اليونانية من أصل Pandhokiyon3. وقد استعملها عرب بلاد الشام, ويظهر أنها من الألفاظ التي شاع استعمالها في الإسلام. وقد ذكر بعض علماء العربية، إن الفندق بلغة أهل الشام: الخان والسبيل من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون في الطرق والمدائن، وهو فارسي4.
ولم تكن منازل أهل الجاهلية منازل مبنية بالضرورة، فقد كان المسافرون يضربون لهم خياما يأوون إليها، أو يلجئون إلى ظل مثل شجرة, يحتمون به من أشعة الشمس، وقد يفترشون الأرض وينامون جنب إبلهم، وكل ما يلزم في المنزل أن يوجد به ماء. فالماء هو إكسير الحياة بالنسبة للمسافر، وهو أهم لهم من الطعام، فطعامهم في ذلك الوقت طعام قليل بسيط؛ تمرات مع لبن، أو سويق، وما شاكل ذلك. ثم هم لا يأكلون كثيرًا ولا يقيمون لوجبات الطعام وزنًا، وقد يكتفي أحدهم بأكلة واحدة من هذه الأكلات الجافة التي يحملها، وقد يقتاتون بما يجدونه من نابت في طريقهم, من ثمر شجر بري أو بقل أو أعشاب؛ ولهذا صارت المنازل على مواضع الماء.
ولم تكن الأبعاد بين هذه المنازل متساوية، بل كانت مختلفة، تتوقف أبعادها على الماء. فإذا وجد الماء في مواضع متقاربة، قامت على مستوطنات متقاربة،