وقد كان الملوك وسادات القبائل والمتنفذون الذين تمر قوافل التجارة بمناطق نفوذهم، أو الذين تقع الأسواق في أرضهم أو في مناطق نفوذهم، يشتطون في الإتاوة، ويشتدون في جباية المكس، ويبالغون في رفع حق المرور والحقوق الأخرى المكتسبة بالعرف والعادة, أو بقانون القوة والكيف، فيؤذون بذلك التجار والتجارة ويضطرون التجار إلى رفع أسعار البيع؛ للحصول على أرباح لهم، فتضررت التجارة بذلك ضررًا كبيرًا, وقلَّ الإقبال على شراء السلع المستوردة من جزيرة العرب إلا ما كان ضروريا ولا مناص من شرائها، وارتفع على المشتري سعر المواد المستوردة، واضطر التجار إلى التحكم في أسعار الشراء من الأسواق المحلية في جزيرة العرب, بشرائها بأسعار متهاودة لضمان تصريفها في الأسواق الخارجية. وفي كل هذه الأحوال ضرر عام للبائع وللمشتري وللمستهلك وللاقتصاد العربي بوجه عام.
وقد كانت القوافل تقصد الأماكن التي تريد البيع والشراء فيها, في مواسم معينة في الغالب؛ وذلك لاجتماع التجار فيها, وهذا مما يهيئ للتاجر أكبر عدد ممكن من التجار. كما كان التجار يقصدون الأسواق المؤقتة التي تقام في الأعياد وفي المناسبات الدينية لبيع ما عندهم من بضاعة ولشراء ما يأتي به الناس من أموال، ولم يكن ذلك خاصًّا بجزيرة العرب، فقد كان العبرانيون وغيرهم من بقية الشعوب السامية يفعلونه أيضًا. ونرى أن الأسواق التي كانت تقام في جزيرة العرب، كانت تقام في مواسم معينة تقع في الأشهر الحرم؛ وذلك لضمان مرور التجار بأمان، فلا يتحرش بهم إلا مستهتر طريد. والغالب أن سادات القبائل, التي تحرش المستهترون بالقافلة التي مرت بأرضهم, ينتقمون بأنفسهم منهم.
وقد كان الجاهليون يضعون أعلامًا على الطريق ليُهتدَى بها، يقال لها: "الصُّوى" و"الثوة". ويقول علماء اللغة: إن الصوى: الأعلام المنصوبة من الحجارة في المفازة المجهولة يستدل بها على الطرق. والثوة كالصوة، وربما نصبت فوقها الحجارة ليهتدى بها، وإن العوة كالصوة التي هي العلم. وفي الحديث: "إن للإسلام صُوى ومنارًا كمنار الطريق"1. وذكر أن "الصوة": حجر يكون علامة في الطريق2.