وحماية أصحابها التجار. وعرف الإله "أبو إيلاف" "إيلف" "إيلاف"، بأنه إله القوافل والتجار وأرباب القوافل كذلك. وكان أصحاب القوافل يقدمون إلى آلهتهم النذور والقرابين بعد انتهاء رحلة القافلة، برًّا بنذرهم لها، وتقربًا إليها؛ كي تستمر في بذل حمايتها لهذه القوافل ورعايتها لها، كما كانوا يأتون إلى المعابد والمحجات فيطوفون بها، ويقصدون أصنامهم فينحرون عندها شكرًا وتقربًا إليها؛ لما أنعمت عليهم من نعم الحماية والربح الوافر الذي كسبوه في رحلاتهم هذه. وفي الذي يذكره أهل الأخبار عن طواف رؤساء قوافل مكة بالكعبة قبل بدئهم الرحلة وبعد انتهائهم منها، الكفاية للدلالة على أهمية هذه الرحلات التجارية في نفوس القوم.
والغالب أن تعهد حراسة القوافل منذ يوم مغادرتها مكانها, إلى حراس أشداء أقوياء يحملون سلاحهم معهم، لمقاومة المعتدين. أما رئاسة القافلة، فلا تعطى إلا للمعروفين بشجاعتهم وبقوتهم وببأسهم وبالحيل وبمعرفتهم للطرق، ولأهل البيوتات والجاه العريض والسمعة بين القبائل. فرئيس القافلة وكبيرها، هو دماغها المفكر وقلبها النابض، وعلى حركاته وأعماله يتوقف مصير القافلة ومصير الأموال الثمينة التي توضع تحت يديه، فإذا أظهر الرئيس جبنًا أو عدم مقدرة في قيادة القافلة وفي الدفاع عنها، حين تعرضها للخطر، فقد تقع فريسة سهلة بأيدي لصوص الطرق، وتنتهب أموالها، فتكون هذه النتيجة طامة كبرى للمساهمين في أموال القافلة.
ولأهمية قادة القوافل المذكورة، عملت لهم تماثيل لتخليد ذكراهم، وكرّموا في الكتابات. وقد عثر على عدد من هذه التماثيل والكتابات في مدينة "تدمر", وحمل الكثير منهم ألقاب الشرف التي كانت لا تُمنَح إلا لمن يؤدي خدمات ممتازة للمدينة في ذلك العهد، ووصل بعضهم إلى درجة عضو في مجلس المدينة الحاكم. وقد نال بقية قادة القوافل مثل هذا الاحترام من أصحابها, ولقب قائد القافلة في الكتابات الجاهلية بـ"زعيم القافلة" وبـ"زعيم السوق"1.
حتى رؤساء الحكومات مثل كسرى وملوك الحيرة، كانوا لا يسلمون زمام قوافلهم إلا للأشداء المعروفين من الرجال. كانوا يتاجرون في الأسواق, يشترون