التي امتاز بها عما عداه من الحيوانات، لما كان في إمكانه احتمال هذه المشقات ولعجز عنها حتمًا. وقد أشير في التوراة إلى قوافل الإبل الضخمة التي كانت تأتي من جزيرة العرب إلى بلاد الشام، وهي محملة بالبضائع الثمينة النفيسة لتبيعها هناك1.
ولا تحتاج الإبل إلى شرب الماء كل يوم؛ لذلك غدت الحيوان المثالي الملائم لحياة الأعرابي وللبادية. والجمل صبور على الجوع وفي استطاعته مكافحة جوعه بأكل العوسج والنباتات التي تنبتها البادية. وللعرب أسماء في أظماء الإبل؛ ومنها "الخمس": أن ترد الإبل الماء يومًا فتشربه، ثم ترعى ثلاثة أيام، ثم ترد الماء اليوم الخامس، فيحسبون اليوم الأول والآخر اليومين اللذين شربت فيهما. وقيل: أن ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع2. ومن الأظماء "الغب"، وذلك أن ترد الإبل يومًا وتصدر، فتكون في المرعى يومًا، وترد اليوم الثالث, وما بين شربتيهما ظمأ طال أو قصر3, وعرف "الغب" أنه ورد يوم وظمأ آخر. وقيل: هو ليوم وليلتين، وقيل: هو أن ترعى يوما وترد من الغد4. ومن أمثال العرب المتعلقة بهذا الموضوع: يضرب أخماسًا لأسداس، أي: يسعى في المكر والخديعة. وأصله من إظماء الإبل، فقد كان الرجل إذا أراد سفرا بعيدا عوَّد إبله أن تشرب خمسا سدسا، حتى إذا دفعت في السير صبرت، ثم ضرب مثلا للذي يراوغ صاحبه ويريه أنه يطيعه، وقيل: يضرب لمن يظهر شيئا ويريد غيره، أو الذي يقدم الأمر يريد به غيره، فيأتيه من أوله، فيعمل رويدًا رويدًا5.
وإذ كانت هذه القوافل في حياة القوم على جانب من الخطورة، كما كانت المصدر المهم من مصادر الثروة، وضعها أصحابها في حماية آلهتهم، واتخذ بعضهم إلها خاصا واجبه حماية القافلة وإيصالها سالمة إلى المحل المقصود. وقد عرف الإله "شيع هـ - قوم" "شيع القوم"، بأنه إله القوافل، الساهر على حمايتها