حب. والذي أقام على مقربة من الحضر، ولا سيما من حضر العراق وبلاد الشأم استطاع الاتجار مع تلك البلاد، ببيع ما عنده من ماشية وجلود وبشراء ما كان يحتاج إليه من مواد ضرورية، أو من مواد يتاجر بها مع المستوطنات ومع الأعراب. فتولد رأس المال في هذه المستوطنات، ولا سيما في الكبيرة منها، ذات الماء الغزير، وجاء الرأس المال بالبعيد، لتشغيلهم في الزرع.
أما البوادي وديار الأعراب، فالأرض فيها للقبيلة، ما خلا الإحماء. وأما الماء والكلأ فللجميع، لا يمنع أحد من أبنائها من وروده، وحق الرعي فيها للجميع. لصاحب الإبل حق رعي إبله في أي موضع شاء من حيه، وله أن ينقل بيته في "ديرته"، ليجد لإبله الكلأ اللازم لها، وأن يذهب إلى البرك ومواضع الماء، لأخذ ما يحتاج إليه من الماء، الذي يكون في الغالب على ساعات أو أيام من بيته. وإذا جف الكلأ واختفى خير الأرض، اضطر للانتقال إلى مواضع أخرى، ليجد فيها ما يعلف إبله. وفي هذا المجتمع الأعرابي، ملكية فردية، هي ملكية الخيام وما فيها من أشياء بسيطة وملكية إبل، وبعدد ما يملكه الإنسان من جمال ونوق، تقدر ملكية الأفراد. وفيه شيوع: شيوع في الماء والكلأ والنار، الماء للجميع، ما لم يكن محميًّا ولا مملوكًا، والنار للجميع، أي حق الاحتطاب، فلكل حق قطع الشجر وما يراه من زرع نابت غير محمي ولا مملوك.
ومجتمع على هذا النوع من البساطة في الحياة، يكون اقتصاده بالطبع بسيطًا، الجمل والناقة فيه، المال ورأس المال. وكل شيء يقاس فيه على عدد من الناحية الاقتصادية، ما يملكه الإنسان من أباعر ونوق. فهو اقتصاد إبل، الإبل فيه في محل الدراهم والدنانير أو الفضة والذهب، وهو عالم استهلاكه قليل وتصديره قليل كذلك قليل كذلك، ليس فيه استهلاك سلع متطورة، وليس فيه انتاج متطور، كل انتاجه الإبل ومشتقاتها وكفى.
وقد حالت البراري بين العرب وبين تكوين المجتمعات الكبيرة، وعرقلت الاتصال بين المستوطنات التي بعثرتها ونشرتها هنا وهناك، وبعثرت الأعراب في البوادي على شكل قبائل وعشائر، تغزو بعضها بعضًا طمعًا في رزق هي في حاجة إليه، وتعقد أحلافًا فيما بينها للدفاع عن نفسها، ثم هي توجه كل أنظارها نحو