أما الأنحاء الأخرى من جزيرة العرب، فلم يكن شجرها من النوع المنتج للخشب الصلد المتين الصالح لصناعة السفن أو لأعمال البناء ولصنع أثاث البيت وغيره، وإذا وجد شجر ذو خشب أنبتته الطبيعة، أو كان من زرع الإنسان، فإنه لم يكن كثيرًا ولا كافيًا لسد حاجات الناس. ثم أن شجر الطبيعة -ما نبت منه في الجبال، وما أنبت منه في السهول والمنخفضات- مشاع بين أهل المنطقة، يقطعه من يريد، لا يجبر قاطعه على زرع غيره في محله، لذلك قضي عليه هذا القطع والإهمال، وصار الخشب اللازم للنجارة وفي الأعمال الأخرى قليلًا في جزيرة العرب، مع أنه من الوسائل المهمة الداخلة في تنمية الاقتصاد وفي الترفيه عن الناس، وفي رفع مستواهم الحضاري.
ولم تعرف بلاد العرب بتصدير الخضر والأثمار والحبوب. فلم نعثر في الأخبار على خبر يفيد تصدير شيء منها إلى العراق أو بلاد الشأم، أو أي بلد آخر خارج حدود جزيرة العرب. بل نجد أنها كانت تستورد الحبوب والدقيق والزيوت من بلاد الشأم، وذلك؛ لأن موارد الماء فيها لم تمكنها من زرع زراعة كثيفة واسعة، فصارت زراعتها زراعة محلية في الغالب، عمادها الاستهلاك المحلي، أو التصدير إلى الأرضين المجاورة للمزارع في داخل الجزيرة وفي المواسم الجيدة وعند ظهور فيض في الحاصل، فصارت اليمامة ريفًا لأهل مكة تمونهم بالحبوب، وكانت سوقًا للأعراب، تمدهم بالتمور. وكانت الطائف، مزرعة تمد أهل مكة بالأثمار والزبيب.
والجمل في طليعة حيوان جزيرة العرب من حيث الفائدة والشهرة، هو رمز البداوة وعنوان الصحاري، والحيوان الوحيد الذي رضي بمصادقة الأعرابي وبتمضية حياته معه، قاطعًا للفيافي والبراري معرضًا نفسه للجوع وللعطش، ولتحمل الحياة الشاقة الخشنة في البادية، مع الأعراب الغلاظ الجفاة، الذين استصعب إخوانهم أهل الحضر للعيش معهم، وهو لولاه لما تمكن الأعراب من اختراق البوادي ومن التنقل بها، ولما طابت لهم الحياة فخيامهم من وبره، وشربهم وكسر حدة جوعهم من لبن نياقه، ثم هو طعامهم عند الحاجة، ورأس مالهم، إذا احتاجوا إلى مال. تليه الخيل والضأن والمعز والحمير وغيرها، وهي كلها دونه بكثير في تحمل العطش والجوع ومشقات الحياة، ثم هي لا تستطيع تحمل غلظ الأعراب وصعوبة حباتهم؛ لأنها أكثر رقة من الجمل، لذلك اجتنبت البوادي،