عرفت المواضع التي استخرج المعدن منها بـ"المعدن" و"معدن"1. والمعدن مكان كل شيء يكون فيه أصله ومبدؤه2. ولكن استخراج المعدن من منجمه وخامه، يحتاج إلى مال وعلم وأيد عاملة فنية، لها مران وخبرة في الاستخراج وفي التنقية، ليمكن استخراجه بكميات وافرة، وبسعر اقتصادي مناسب، منافس للأسعار العالية في الأسواق الأخرى. وهذه الشروط لم تكن متوفرة عند أهل الجاهلية، لذلك لم نسمع بتصديرها من المعادن، إلا الذهب، حيث قدمه السبئيون للآشوريين وللعبرانيين، رشوة وجزية كما تقول الموارد. أما المعادن الأخرى، فلم نسمع في كتب المتقدمين على الإسلام من الأعاجم، ولا في كتابات الجاهليين ولا في أخبار أهل الأخبار، أنها صدرت إلى الخارج.
وأما الأخشاب الصلدة الثقيلة القوية مثل الساج، وهو خشب رزين قوي3، ومثل الآبنوس، والصندل، وأمثالها، فغير موجودة في جزيرة العرب، وإنما كانت تستورد من الهند في الغالب لعمل السفن وللأغراض الأخرى؛ لأنها من أشجار تحتاج إلى أمطار وحرارة ورطوبة، وهي شروط غير متوفرة في أكثر أنحاء بلاد العرب. وفي بلاد العرب أشجار ذات خشب، نمت في الجبال بصورة خاصة، لذلك عرفت بـ"شجر الجبال"4، سأتحدث عنها في أثناء بحثي عن الشجر، أمدت أهل العربية الغربية والجنوبية، بشيء من حاجتهم إلى الخشب، حيث استعملوه في البناء وفي الأثاث، لكن أخشابها لم تكن قوية صلدة مثل الأخشاب المذكورة، ثم إن الناس كانوا يقتطعون شجرها ولا يزرعون غيرها في مواضعها، فقلت، وقل الخشب نتيجة لذلك، حتى إن أهل الأخبار ليذكرون أن أهل مكة لما أرادوا تسقيف الكعبة، لم يجدوا خشبًا يصلح للتسقيف، فلما سمعوا بخبر تحطم سفينة رومية عند "الشعيبة"، ذهبوا إلى هناك، وجاءوا بالخشب اللازم للتسقيف من ذلك الميناء، وخشب السراة، وخشب المواضع المرتفعة الأخرى، خشب لا يضاهي خشب الهند أو أفريقية في الصلابة وفي المتانة والصلادة، لذلك لم يستعمل في بناء السفن ولم يساعد في تطوير وسائل النقل في البحار.