وإذا أمطرت السماء، واستبشر الناس خيرًا، فالمطر خير وبركة ونعمة. يعقبه ربيع مفرح مبهج، تسمن فيه إبلهم ومواشيهم، ويكثر ولدها، فتنمو أموالهم، وكانوا يقولون إذا ألبنوا وسمنت إبلهم: "كان ربيعنا مملوحًا"1.

وقد تهب بعض الرياح فتنكب الناس بأنفسهم وبأموالهم وتؤذيهم، لذلك يسمونها "النكباء"، و"النكباء" ريح انحرفت ووقعت بين ريحين. وهي تهلك المال وتحبس القطر. ذكر أنها تهب بين الصبا والشمال، والجربياء التي بين الجنوب والصبا، وذكر بعضهم أن نكب الرياح أربع: الأزيب، وهي نكباء الصبا والجنوب، مهياف ملواج ميباس للبقل، وهي التي تجيء بين الريحين، وذكر بعض آخر أن الأزيب، هو الجنوب لانكباؤها. والثانية الصابية، وتسمى النكيباء أيضًا، وهي نكباء الصبا والشمال، معجاج مصراد لا مطر فيها ولا خير عندها. والثالثة الجربياء، وهي نكباء الشمال والدبور، وهي قرة وربما كان فيها مطر قليل، وهي نيحة الأزيب. والرابعة الهيف، وهي نكباء الجنوب والدبور، وهي نيحة النكيباء2.

وقد تأتي السماء بسحب كثيفة من جراد، فلا تهبط مكانًا إلا جردته. والجراد من شر الآفات والنوازل التي تنزل بالزرع، يجرده جردًا وينزل الخسائر بأصحابه، أضف إلى ذلك الأوبئة والأمراض التي كانت تهب بين الحين والحين، فتصيب الإنسان أو الحيوان أو الزرع، وهو عاجز إذ ذاك عن مقاومتها وعن التغلب عليها، نضيف إليها الحميات التي كانت قد عششت في مواضع المياه، كالعيون، فكانت تصيب الناس، ولا يكاد يسلم منها إنسان، فقد عرفت "خيبر" بالحمى، حتى قيل لها "حمى خيبرية" أو "خيبرية"، وعرفت يثرب بالحمى أيضًا، وعرفت مواضع من وادي القرى، بالحمى كذلك، كما عرفت "هجر" في العربية الشرقية بهذا الوباء كذلك.

ويتضايق الإنسان في التهائم من أثر الحرارة المتشبعة بنسب عالية من الرطوبة. ودرجات الحرارة فيها وإن كانت دون درجتها في الأماكن الأخرى في الأغلب، غير أن اقترانها بالرطوبة العالية جعلتها حرارة تضايق الإنسان إلى حد مزعج، تبعث على الاسترخاء والكسل، حتى صيرت الجسم خاملًا، خال من الحيوية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015