وهو ضيق صير العرب قومًا يكرهون الزراعة وينفرون منها، ويرون المزارع موطنًا من الدرجة الدنيا، ولا سيما ذلك المزارع الذي يزرع الخضر والبقول وعلف الحيوان، فهو عندهم "خضار". ولو كانت للعرب مياه فائضة، وأمطار غزيرة لما كرهوا الزراعة، ولما ازدروا شأنها، فحرمانهم من الماء جعلهم يستحقرون شأن الزراعة؛ لأنهم لم يتذوقوا ثمرتها ولم يشعروا بخبراتها، ولهذا اختلف عنهم أهل اليمن وبقية العربية الجنوبية ومن جد عندهم الماء، فغرسوا وزرعوا واعتبروا الزراعة نعمة، وتقدموا إلى آلهتهم لكي تبارك في زرعهم وتنعم في حصادهم وتعطيهم غلاث وافرة كثيرة.

وجو جزيرة العرب جو من أجواء البلاد الحارة الجافة. وأمطاره على العموم قليلة، ولا سيما في أواسط جزيرة العرب. وقد تنحبس في بعض السنين انحباسًا تامًّا، فيسبب انحباسها هذا كارثة ومصيبة، يجف في أثنائها العشب، وييبس كل أخضر، فلا تجد الإبل لها طعامًا، ولا يكون في وسع أهلها تقديم طعاما لها لعدم وجوده عندهم، وقد ينفق مالهم من العطش والجوع، فيصاب أصحابها بخسائر كبيرة، وقد يهلك عدد من الناس قبل بلوغهم موضع ماء، إما من شدة الحر والعطش والجوع، وإما من السيف الذي لا بد لهم من استعماله لاجبار أهل الماء على السماح لهم بمشاركتهم لهم إياه، أو بالاستحواذ عليه ونزلهم به، وطردهم أصحابه عنه إلى أماكن أخرى، أو بهروبهم من هذا الموضع لقوة أصحابه ولتمكنهم من رد الطامعين عنه.

وتتساقط الأمطار في العربية الغربية والعربية الجنوبية، ولكن سقوطها ليس منتظمًا وعلى طول أيام السنة. وقد تثور السماء فجأة على الأرض، فترسل عليها سيلًا مدرارًا، يكتسح ما يجده أمامه من إنسان وحيوان وكل عائق، ليجد له سبيلًا إلى أرض منخفضة أو إلى أودية، ثم لا يلبث أن يختفي ويزول؛ لأن عمره قصير في الغالب، إذ تبتلعه أرض رملية، فيغور إلى باطنها ليكون مياهًا جوفية، وقد تبتلعه البحار، إذ يسيل بشدة إلى الأودية المنحدرة الشديدة الانحدار فيتوجه مسرعًا نحو البحر، فيذهب فيها هباءً من غير أن يفيد أحدًا من الناس أو أن يغيثهم بشيء. وفي كتب أهل الأخبار قوائم بسيول كثيرة مهلكة مدمرة وقعت قبل الإسلام وبعده.

والأمطار في جزيرة العرب هي قليلة على العموم، مقدار ما يتساقط منها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015