ومن ذلك إنهم كانوا يفقأون عين فحل الإبل، لئلا تصيبها العين. وكانوا إذا كثرت إبلهم فبلغت الألف، فقئوا عين الفحل، فإن زادت الإبل على الألف فقئوا العين الأخرى. وذلك المقفأ والمعمى1.
وكانت العرب إذا أجدبت، وأمسكت السماء عنهم، وتضايقوا من انحباس المطر، وأرادوا أن يستمطروا، عمدوا إلى السلع والعشر، فحزموهما، وعقدوهما في أذناب البقر، وأضرموا فيها النيران، وأصعدوها في موضع وعر، واتبعوها، يدعون الله ويستسقون، وإنما يضرمون النار في أذناب البقر تفاؤلا للبرق بالنار. وكانوا يسوقونها نحو المغرب من دون الجهات2. ويقال لهذا الفعل "التسليع".
وذكر أن التسليع في الجاهلية إنهم كانوا إذا أسنتوا، أي أجدبوا، علقوا السلع مع العشر بأذناب البقر وحدروها من الجبال وأشعلوا في ذلك السلع والعشر النار يستمطرون بذلك. ونجد من الرواة من يقول: حدروها من الجبال وأشعلوا في ذلك السلع والعشر النار، ومنهم من يقول: ثم يضرمون فيها النار، وهم يصعدونها في الجبل، فيمطرون3.
وقد أشير إلى هذا الفعل في الشعر، قال أمية بن أبي الصلت:
سلع ما ومثله عشر ما ... عائل ما، وعالت البيقورا
وقال الورك الطائي "وداك الطائي":
لا در در رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر4
ومن السلع "المسلعة"، كان العرب في جاهليتها تأخذ حطب السلع والعشر في المجاعات وقحوط القطر، فتوقر ظهر البقر منها، وقيل: يعلقون ذلك في أذنابها، ثم تلعج النار فيها يستمطرون بلهب النار المشبه بسنى البرق. وقيل: