و "باقوم" كما يقول الإخباريون هو الذي أشرف على إقامة البناء وهندسته. وهو الذي سقف البيت وأقامه على عمد. ولا أستبعد أن يكون هو الذي رسم تلك الصور وحده أو بالاستعانة بإخوانه من بني جنسه الروم. وقد كان هؤلاء نصارى، فرسموا على جدران البيت أو أعمدته صور قصص كتابي، ومنه صور الأنبياء، للزينة والزخرف. لم يجد أهل مكة فيها ما يناقض عقيدتهم في الأصنام. ومن يدري، فلعله رسم لهم ذلك على أن له صلة بعقيدتهم التي كانوا عليها، فلم يعترضوا لذلك عليه. أما طمس الإسلام لتلك الصور، فللعلماء في ذلك كلام. وقد أشير إليه في كتب الحديث، وأكثرهم على أن الرسول لم يستثن من ذلك الطمس صورة1.
وفي الحرم بئر "زمزم"، وهناك مقام إبراهيم، وبين زمزم ومقام إبراهيم كان موضع الذبح، ذبح القرابين. ويرى "ولهوزن" احتمال كون موضع المقام هو المكان الذي كان الجاهليون يذبحون فيه2.
ويرجع الإخباريون تاريخ بئر "زمزم" إلى يوم بناء الكعبة وعهد إسماعيل. ويقال لها "بئر إسماعيل" أيضًا. وهي في الحرم في جهة الجنوب الشرقي من الكعبة في الجهة المقابلة للركن. ولا نعرف من أمرها شيئًا يذكر. ويظهر من روايات أهل الأخبار عنها أنها دفنت في أيام جرهم، وأن أهل مكة صاروا يستقون الماء من آبار أخرى احتفروها، ويستوردونه من الخارج إليها، حتى إذا كانت أيام عبد المطلب، ألقي في قلبه أن يحتفرها، فحفرها واستخرج منها كنزًا، وظهر الماء بها منذ ذلك اليوم3. ولأهل الأخبار تفاسير عديدة للفظة "زمزم"، تدل على أنهم لم يكونوا على علم بأصل التسمية، مما جاء فيها أن الملك "سابور" لما حج البيت أشرف عليها وزمزم فيها، فقيل لها "زمزم"4. وهكذا جعلوا "سابور" من المؤمنين الحجاج للبيت الحرام، المتبركين بماء زمزم!