وكان حرم "الكعبة" كما يظهر من روايات أهل الأخبار واسعًا شاسعًا ذا نبت وشجر. ولم يجرؤ أحد على احتطاب شجره أو قطعه لحرمة المكان ولحرمة ما فيه، فبقيت أشجاره على ما هي عليه، حتى إذا ما كانت أيام "قصي"، ضاقت مكة بمن وفد عليها من قريش، ممن جاء بهم "قصي" إليها، وقطعها "قصي" رباعًا، وأرادوا البنيان، ولكنهم هابوا قطع شجر الحرم للبنيان، وتذكر رواية أنهم قالوا لقصي: كيف نصنع من شجر الحرم؟ فحذرهم قطعها وخوفهم من العقوبة في ذلك. فكان أحدهم يحوف بالبنيان حول الشجرة حتى تكون في منزله1. وتذكر روايات أخرى العكس. تذكر أن قريشًا هابت قطع شجر الحرم في منازلهم، فقطعها قصي بيده، وأعانوه2. وبذلك تقلصت أرض الحرام وقلت أشجاره بالتدريج.
وتذكر رواية أن أهل مكة كانوا يهابون حتى في الإسلام قطع شجر الحرم. وقطع كل شجرة دخلت من أرض الحرم في دور أهل مكة. وأن "عمر" لما قطع "دوحة" كانت في دار "أسد بن عبد العزى"، وكانت تنال أطرافها ثياب الطائفين بالكعبة، وذلك قبل أن يوسع المسجد، وداها بقرة. وتذكر أيضًا أن "عبد الله بن الزبير" حين ابتنى دورًا بـ "قعيقعان" ترخص في قطع شجر الحرم للبنيان، وجعل دية كل شجرة بقرة. وذكر أن "أبا حنيفة"، قال إن كانت الشجرة التي في الحرم مما يغرسها الناس ويستنبتونها فلا فدية على من قطع شيئًا منها، وإن كان من غيرها ففيه القيمة بالغًا ما بلغت3.
وفي الحديث أن الله حرم مكة، وحرم شجر الحرم في جملة ما حرمه على الناس4.
ويظهر أن أرض مكة كانت كلها في الأصل قبل أيام "قصي" حمى للكعبة، على عادة الجاهليين في تخصيص "حمى" لأربابهم تكون حول بيوتها، ولهذا كانت أشجار هذا الحمى أشجارًا مقدسة لا يجوز قطعها ولا احتطابها، سوى أخذ بعض أغصانها أو لحائها لعمل قلائد منها للاحتماء منها. فلما استباح أهل مكة لأنفسهم