هذا الاختلاف على وضعه، حتى ليمكن أن يقال إنه كان فوق أصنام الكعبة منزلة، بدليل عدم ورود إشارة ما إلى وقوع اختلاف بشأن إعادة صنم من تلك الأصنام إلى مواضعها. ولو كانت الأصنام أقدس منه، لكان الاختلاف على شرف وضع تلك الأصنام لا الحجر الأسود بالطبع. وهذا التقديس الزائد يحملنا على التفكير في أسبابه وفي الميزة التي ميزت هذا الحجر على الأصنام وهي في طبيعتها حجارة مثله. لقد ذهبت "ولهوزن" إلى أن قدسية البيت عند أهل الجاهلية، لم تكن بسبب الأصنام التي فيه، بل كانت بسبب هذا الحجر. لقد كان هذا الحجر مقدسًا في ذاته، وهو الذي جلب القدسية للبيت، فصار البيت نفسه مقدسًا، مقدسًا في حد ذاته، بحجره هذا الذي هو فيه، ولعله شهاب "نيزك"، أو جزء من معبود مقدس قديم1.
وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن البيت لم يكن إلا بمثابة إطار للحجر الأسود الذي كان من أهم معبودات قريش، لأنه يمثل بقايا حجر قديم كان مقدسًا عند قدماء الجاهليين، غير أنه لم يكن معبود قريش الوحيد2.
ويلاحظ أن التقرب إلى الأحجار في بيوت العبادة كانت شائعة بين الجاهليين. وقد ذكر أن في "غيمان" موضع عبادة وفيه "حجر قحمم" "حجر قاحمم" "حجر قاحم"، وهو يشبه الحجر الأسود الذي كان يتقرب إليه الجاهليون في مكة. والحجر الذي كان في كعبة نجران وفي "تسلال"، وفي مواضع أخرى عديدة ذكرها "الهمداني". وقد عثر على مقابر جاهلية عديدة تبين للذين نقبوا فيها أن لها صلة بعبادة الأحجار، وأن تلك المقابر أقيمت عند موضع مقدس لوجود حجر مقدس فيه3.
وقد كان الجاهليون يلمسون الحجر الأسود للتبرك به، وهو مبني في جدار الكعبة، فيكون اللمس بالطبع للجانب البارز منه. وبين موضع "الحجر الأسود" وباب البيت يكون "الملتزم"، وفي الناحية الشمالية الغربية "الحجر" أو "الحطيم".