...
الفصل الستون: حكام العرب
الحاكم منفذ الحكم بين الناس، والذي يمنع الظالم من الظلم1. وهو في معنى "القاضي"، الذي هو القاطع للأمور المحكم لها2. وحكام العرب، هم الذين حكموا بينهم فيما حدث من خلاف، وما وقع لهم من خصومات. وقد كان لكل قبيلة حكام، عرفوا برجاحة عقولهم وبسعة مداركهم وبوقوفهم على أعراف قومهم، وبعدلهم وإنصافهم، وبترفعهم عن الظلم والدنايا، فتحاكموا إليهم. ومنهم من طار اسمه إلى خارج مواطن قبيلته، فتحاكم إليه أبناء القبائل الأخرى، لما وجدوا فيه من صفات الحكم العادل والنزاهة والسلامة والصدق في إعطاء الحكم.
ولم يكن الحكم بين الناس والقضاء بينهم، عملًا رسميًّا من أعمال الحكومة, بمعنى أن الحاكم موظف من موظفي الدولة، كما هو في الوقت الحاضر، وكما وقع في الإسلام، وإنما كان القضاء أمرًا يعود إلى الناس، إن شاءوا رجعوا إلى عقلاء الحي لفض ما قد يقع بين أهل الحي من خلاف، وإن شاءوا اختاروا حكمًا يرتضونه لكي يقضي بينهم في الخصومة، فيقضي فيما بينهم برأيه وبرجاحة عقله، ثم ينتهي واجبه، وهم لا يختارون حكمًا، إلا لوجود خلال حميدة فيه تؤهله للحكم، مثل العدل والفهم والحنكة، والفطنة، وسرعة إدراك أسباب الحق.