آخر، هو أهم من ذلك بكثير، لا صلة له بما ذهب هذا الظن إليه، بل لسبب سياسي مهم، هو أن مندوب ملك النجاشي في نظر أبرهة، أهم وأقدم في المنزلة من أي مندوب آخر من المندوبين الذين وصلوا إليه، لذلك قدّمه في الذكر على بقية المندوبين، وأطلق عليه لفظة "محشكت"، لأنها في معنى رسول ذي أهمية كبيرة، وله ميزات على الرسل الآخرين، فهو رسول ملك له صلة خاصة قوية به، ثم ثنى بذكر رسول ملك الروم؛ لأن الروم أصدقاء وحلفاء الحبش وأبرهة ولهم صلات قوية به، ثم إن ملك الروم مثل ملك الحبشة وأبرهة على النصرانية، فبينه وبين الروم رابطة الأخوة بالدين، فذكر لذلك مندوبهم بعد مندوب النجاشي واستعمل لفظة "محشكت"، لما لهذه الكلمة من معنى خاص في معجم ألفاظ السياسة. وذكر مندوب ملك الفرس بعد مندوب ملك الروم؛ لأن صلة الفرس بالحبش لم تكن على درجة صلة الروم بهم، ثم إنهم يختلفون عنهم في الدين ويعارضونهم في السياسة، لذلك أخره عن مندوب الروم، وأطلق عليه لفظة تشير إلى أنها دون لفظة "محشكت" في الدرجة والتقدير. ولكنها فوق لفظة "رسل" "رسول" "رسل" في الأهمية والدرجة والمكانة على كل حال.

لأن ملوك الفرس أكبر شأنًا في عالم السياسة من المنذر ومن الحارث ومن أبي كرب لذلك استعمل هذه اللفظة لرسول ملك فارس واستعمل كلمة "رسل" لمندوبي الملوك العرب.

وفي العربية لفظة أخرى تؤدي معنى "رسول"، هي لفظة "سفير". ويذكر علماء العربية أن السفير: الرسول والمصلح بين القوم1. وكان أهل مكة إذا وقعت بينهم وبين غيرهم حرب أو خصومة، بعثوا سفيرًا. وكانت السفارة في "بني عدي"2.

ويقال للرسول "اسى" في العربيات الجنوبية، تعبيرًا عن رسول يرسل بمهمة خاصة3.

ولجلوس رجال الوفود عند الملوك وسادات القبائل أهمية كبيرة عند العرب، فالمقدم على الناس يكون أيمن الملك أو أيمن سيد القبيلة، وهكذا. وجلوسه هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015